صفوت عباس يكتب: (ذهب الأجاويد. فأتلف لجان الصلح الهوي)

.. قد لايهتم سكان الاحياء الراقيه بالمدن الكبيره بموضوع لجان المصالحات الذي يهم سكان القري والمحافظات الريفيه وسكان الحواري والمناطق الشعبيه بالمدن، فالصنف الاول مشاكله تنحصر في امر اتحاد الملاك وانتخابات النوادي والتخارج من الشراكات وقد تكون حلولها موجوده قبل ان تبداء اما الصنف الثاني فمطحون بمشاكل يسببها ازدحامه وقلته وتشابك علاقاته.
امتثلا لامر شرعي ورد بالنص الشريف ( وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ) وقد حدد النص القرآني اليات وطرق إداره التصالح وعليه ففي الباديه والنجوع والقري والحواري كان القضاء العرفي ينجز كثيرا من العدل والامن ويحقق سلاما برضا واحترام وتقدير الجميع .
قدم القضاء العرفي الي مصر مع الفتح الاسلامي كتقليد يمارسه اهل الباديه والقبائل لرد الحق وكبح المعتدي والجائر وفض كل المنازعات وتسويتها والتصالح فيها ومع وجود اجهزه الشرطه دعمت دور لجان المصالحات وعززته باعتباره الاداه السريعه والناجزه لاستقرار الوضع الامني.
.. كانت لجان الصلح وفض المنازعات تتكون من أصحاب الكلمه والقرار والرأي والحكماء في محيطهم وكانت تجمع شيوخ القبائل ورؤوس العائلات واصحاب العلم الشرعي ومشايخ الطرق الصوفيه وكانت تضم العمد في القري او شيخ الحاره وعقلائها في المدن، لم يكن هناك تمييز لعائله او قبيله فسمات وخصائص شخص مكون اللجنه يصنع احترامه ويعلي بالحق كلمته وكانوا يسمون (الأجاويد) اي اصحاب الكرم والسخاء والفضل من الناس كما كان البعض يسميها (مجلس العرب) او (مشايخ العرب) وتلك اسماء تحمل فضلا وتميزا لمن تطلق عليهم.
.. كان الأجاويد يبذلون وقتهم وجهدهم ومالهم وفكرهم لإنجاز مهامهم ويتحرون العدل وانصاف المظلوم وردع الظالم، وكانت ادواتهم تتفاوت بين العظه والنصح والشده واستعمال احكام الشرع وتطبق القانون والعرف وتلتمس الرحمه وتطلب العفو والصفح وتحض علي التسامح.
.. كانت تتداول قضايا تتراوح مابين خصومات الثار والتعدي علي النفس والمال والعرض وتصل الي انتهاك قواعد العرف والمجتمع والاخلاق وتعمل علي خلافات الاسر والمواريث والاحوال الشخصيه والاصلاح بين الازواج وطالما كانت جهودها تحقن دماء وتعيد حقوق وتقيم اسر وترد معتدي وغاصب وكانت عقوباتها تتراوح مابين الطرد من المكان وتقديم الديه ودفع الغرامه الماديه وكانوا يسمونها (الحق او الأدب) وكانت تعمل بتفويض من اطراف النزاع او بجبر عليها وكانت احكامها فوق الجميع ومحل احترام وشكر وتقدير وكانت تتيح للمتنازعين حق اعتراض الحكم ورفضه واحالته للجنه من مكان اخر وكان هذا الاجراء يسمي (جر اللجنه) وكان نادرا مايحدث لنزاهه الأحكام والاشخاص.
.. مع تطور الزمان وكثره الناس وتعدد المشاكل والخلافات وغياب الوازع الديني اصبحت اللجان في حاله انعقاد دائم فحدث عزوف ممن تشغلهم دنياهم من افاضل الناس عن المشاركه فيها وحدث ان فقدت اللجان قدرتها علي الاقناع وضياع العدل في احكامها تحت ضغط عدم كفاءه اعضائها وقله خبرتهم وضغط العمل عليهم وضياع هيبه القبيله والعائله وكبرائهما وفقدان سلطانهم علي اعضاء العائله و القبيله واعتماد تشكيلها علي محاصصه بين القبائل بدلا من تكونها من خبراء وعقلاء دون اعتبار لانتمائهم وتخليها عن ادواتها القديمه من الحث علي الفضائل واقرار العدل وطلب الصفح الي ادوات الموائمه المشكوك في نزاهتها وعدالتها وتحولت اغلب الحلول من الصفح الي غرامات ماديه ضخمه لاتُني الجائر المقتدر وترهق وتضيع حق البائس الذي لايستطيع الي المال سبيلا.
.. كانت اللجان قديما مركزيه تنتدب من اعضائها لانهاء مشكلات بسيطه.. الان كل مجموعه متوافقه الهوي والمكان تشكل لجنه.. وقديما كانت العمل يبداء بالتدخل حال وقوع خصومه ويتم سماع اطرافها وتسجيل اقوالهم وتستدعي الشهود والخبراء في امر النزاع وتدقق في الأقوال والشهادات وتستمع الي اراء جميع الاعضاء وحال اختلاف الراي يكون الحكم بالتصويت والان الصوت الاعلي هو من يوجه اللجنه وتعمل في عجاله للبت مما يخرجها من قواعد المنطق والعدل وكان الاجاويد يدققون لاجل تحري العدل والان الغلبه للخصم صاحب الحجه والكلمه واشياء اخري.
.. كانت لجان المصالحات قد ترفع مالا تستطيع انجازه من القضايا او تستشعر فيه حرجا الي جهات الإداره وانفاذ القانون لاعمال القانون فيه وبذلك توطد تعاون بناء بينهما اما الان فاللجان تهدد بتلك الجهات لضمان انفاذ اعمالها ولو قسرا وليس عدلا، وكانت تستعين بلجان اخري ان صعُب عليها الامر او استشعرت الحرج والان تستعين بلجان اخري توحي اليها باحكامها وتستتر ورائها.
.. كانت مكانه وقيمه ونزاهه وسمعه اعضاء لجان المصالحات تصنع مكانه وقيمه اللجان والان يسعي البعض للإنضمام الي اللجان ليستمد منها بريقا وقيمه ووضعا وصيتا وربما هي بالاساس تفتقده بعد ان تركها الاجواد واصبحت قيد اهواء اتلفتها فضاع جزءا كبيرا من السلام الذي كانت تصنعه، وستبقي اسماء عظماء في مجال المصالحات انجزوا عدلا وحققوا سلاما.