مايسة السلكاوى تكتب : (حكايات من زمان) بدأت بجوهر وانتهت بجوهر -1

من المفارقات العجيبة أن من يضع اللبنة الأولى لدولة الفاطميين فى مصر يكون القائد جوهر الصقلى ومن هدمها يكون مؤتمن الخلافة جوهر ، وما بين الجوهرين قرنين من الزمان ومصر يحكمها الفاطميون .
جوهر الصقلى أول من جاء من الفاطميين إلى مصر قائدا لجنود المعز منتزعا الحكم من الإخشيد والإستعدادا لإستقبال الخليفة الفاطمى الرابع المعز لدين الله القادم من بلاد المغرب .
بحث جوهر عن موقع آمن ليكون مقرا للحكم فقط ولم يكن المقصود بناء مدينة جديدة فكانت “القاهرة” ، فلم يصرح للأهالى بالبناء فيها إلا بعد قيام الدولة الفاطمية بفترة طويلة ، فالقاهرة التى أنشأها جوهر كانت ملكا للخلفاء الفاطميين ، وبعد ثلاث سنوات من وضع أساس القصر الكبير واكتمال المدينة ، خرج المعز من مدينة “المنصورة” مقر ملكة بالمغرب متجها لأرض مصر ودخل الأسكندرية وأقام بها فترة ، ثم ساربعساكرة عبر النيل إلى الفسطاط وكانت العاصمة ، ولكنه لم يدخلها على الرغم من استعداد أهلها لإستقباله بل توجه إلى القاهرة مباشرة . كان ميلاد القاهرة فى 17 شعبان 358 هجرية – 5 يوليو 969م وانتهت دولة الفاطميين فى 567 هجرية -1171م لتبدأ الدولة الأيوبية أو دولة الأكراد ومؤسسها صلاح الدين يوسف بن أيوب .
فى أواخر عهد الفاطميين كان صلاح الدين الأيوبى وزيرا للعاضد لدين الله آخر الخلفاء الفاطميين ، وكالمعتاد عند إضمحلال أى دولة فى تلك الفترة ، تكثر الفتن والمؤامرات ،ولأن صلاح الدين كان قويا ومتسلطا ومستبدا بأمور الدولة ، مما أزعج رجال قصر الخليفة ، فدبروا مؤامرة لقتله للتخلص منه ومن قوة تسلطه ، فاستعان أحد كبار القصر وهو جوهر مؤتمن الخلافة ، بالعبيد لتنفيذ المؤامرة وانضم إليه الأمراء والأعيان ، كانت خطتهم أن يبعثوا رسالة “للفرنج” ببلاد ساحل فلسطين حتى يأتوا إلى القاهرة مما يضطر صلاح الدين لقتالهم بعساكره ، فيثوروا عليه فى القاهرة وذلك بالإتفاق مع الفرنج ويتم إخراجه من مصر .
من حسن حظ صلاح الدين أن الرسالة وقعت فى أيدى رجاله فأبلغوه بها ومن تتبع خط الرسالة توصل صلاح الدين إلى كاتبها فكان أحد اليهود فتم القبض عليه وقرر إعدامه ، فما كان امام اليهودى حتى ينجو من القتل إلا أن أعلن إسلامه وأخبره بتفاصيل المؤامرة .
عندما علم جوهر مؤتمن الخلافة بما حدث ظل فى القصر لا يغادره ومن جانبه تجاهل صلاح الدين الأمر عدة أشهر حتى يطمئن جوهر وبالفعل شعر بالإطمئنان وخرج إلى أحد بساتينه خارج القاهرة فأسرع رجال صلاح الدين بإلقاء القبض عليه وقطعوا رأسه وأتوا بها إليه .
شاع الخبر فى المدينة وثارت النفوس وتجمع الحاقدون على صلاح الدين وأعداد كبيرة من العسكر والأمراء والعامة وهجموا عليه بدار الوزارة بجانب القصر وعلى الجانب الآخر تزعم أخو صلاح الدين ، شمس الدولة توران شاه الدفاع عنه مع عساكره “عساكر الغز ” ودارت المعركة تحت القصر وكاد العبيد ينتصرون فى هذه المعركة. فى هذه الأثناء كان الخليفة العاضد بالمنظرة “الشرفة” فوق باب الذهب “أهم أبواب القصر الشرقى الكبير” وأخذ رجال القصر يرمون على عساكر صلاح الدين بالحجارة والنشاب ، فما كان من شمس الدين إلا أن أمر رجاله بإحراق المنظرة التى يجلس بها الخليفة وبدأوا يجهزون قوارير النفط لإلقائها على المنظرة .
بالطبع خاف الخليفة على نفسه فقام أحد كبار رجال القصر ولقبه “زعيم الخلافة” قائلا بصوت عال “أمير المؤمنين يسلم على شمس الدولة ويقول “دونكم والعبيد الكلاب أخرجوهم من بلادكم ” .
عندما سمع العبيد ( السودان) ذلك ضعفت نفوسهم وأصابهم الإحباط والفشل فانهزموا أمام الغز “عساكر صلاح الدين” الذين تتبعوهم وكلما دخلوا دارا أحرقوها عليهم وأغلقت عليهم أبواب المدينة وعلم العبيد بتخريب حارة السودان فاستسلموا وطلبوا الأمان من صلاح الدين فأمنهم وخرجوا إلى الجيزة ،فجاءهم شمس الدولة بعساكر وقتلوهم حتى كادوا أن يفنوا عن آخرهم .
عرفت هذه الواقعة “بواقعة العبيد” وكانت بداية النهاية للعصر الفاطمى ، فكما كانت بداية حكم الفاطميين لمصر للقائد جوهر كانت نهايته بمؤامرة مؤتمن الخلافة جوهر .
بعد فشل المؤامرة قويت شوكة صلاح الدين ،فأبطل ركوب الخليفة فظل محبوسا فى قصرة وأحكم صلاح الدين سيطرته على القصر وأرسل لإحضار والده وأخوته وأهله من الشام ،فأنزلهم فى قصور الخلفاء وبيوت الأمراء ووهب إقطاعات الأمراء لأهله وأقاربه وأصحابه . وفى 566هجرية عزل قضاة الشيعة ” مذهب الفاطميين ” واتخذ المذهب الشافعى أساسا للقضاء فى مصر وأبطل فى الآذان “حى على خير العمل “وأزال شعار الدولة وأبطل ذكر الخليفة فى الخطبة واستبدله بالدعاء للخليفة العباسى المستضئ ،وبعد ذلك بأيام قليلة مات الخليفة العاضد عن عمر 21 سنة ليلة عاشوراء 567 هجرية وبذلك انتهت الدولة الفاطمية بعد حكم استمر 202 سنة .