راندا الهادي تكتب : كوميديا سوداء

هذا المصطلح يعرفه كل من درس فنون التمثيل أو قرأ عنها ، يعرِّفه المتخصصون بأنه أسلوب أدبي صعب يعتمد على أن يؤلمك الحدث لدرجة الضحك، يدفعك في بعض الأحيان للسخرية من آلامك. ويعرِّفه البعض الآخر بأنه أسلوب أدبي جريء لتعريف الواقع، وفلسفة إنسانية نقدية ساخرة.
الفرق الجوهري بينها وبين الأنواع الأخرى للكوميديا أن الأنواع الأخرى تكون بها المشاهد المضحكة واضحة وصريحة، ولا تحتاج أن تعيد التفكير مرتين لتضحك أم لا، أما الكوميديا السوداء قد يصعب عليك تحديد مواضع الضحك لتشابكها مع الجانب الدرامي القاتم للموضوع المطروح، فتطلق أحيانًا الضحكات لعدم شعورك بالراحة أو من فرط ما شعرت بالألم.
كان لابد من إيضاح معنى الكوميديا السوداء قبل الخوض في مضمون هذا المقال ، حتى إذا ما قرأت ولم يعجبك كلامي ؛ أكون قد أضفت إليك – على الأقل- معلومة ذات قيمة .
بداية الكوميديا السوداء هو ما نعيشه هذه الأيام مع الدراما المصنفة على أنها كوميديا في رمضان ، أولا لأنها تدمر ولا تبني ، حيث جعلت الألفاظ الخارجة والشتائم بابًا لاستخراج الضحكة من أفواه المشاهدين ، وللأسف المشاهدون يضحكون ، وثانيًا لأنها فارغة المضمون لا هدف لها ، حيث تخرج من الحلقة بلا شيء في جعبتك ، لا قيمة ، لا رسالة ، لا فكرة تترابط حولها الأحداث .
لماذا أتحدث الآن ؟ وأنا كنت في صف غير المتابعين لأي أعمال في رمضان ، لأن أحد زملائي سألني ماذا أتابع على شاشات التلفزيون وفي نفس ذات الوقت أوصاني بضرورة متابعة عمل بعينه ، بل لم يمهلني الوقت وسحب هاتفه ليعرض علي بعض مشاهد هذا العمل ، الغريب أنه كان يضحك بينما كنت أضع يدي على فمي من الصدمة ، مذهولة من قبح الألفاظ المستخدمة ، ودونية الإفيهات المتداولة ، وعندما لفت نظره التعبير على وجهي سألني ما رأيك؟! فأجبته على الفور : ما المضحك؟ إنه حوار كله إسفاف .
كان رد فعلي صادم للزميل الذي أشاد بالعمل في جزئه الثاني -وكأن العمل يستحق جزءً ثانيًا -، وهنا حضرتني فكرة مرعبة ألا وهي ، هل اعتدنا الرديء من الفن لهذه الدرجة ؟ هل أصيبت ذائقتنا الفنية بالعطب لهذا الحد ؟!! فما عدنا نفرق بين الكوميديا والإسفاف ، أم أن هذا مؤشر خطير على مستوى الأخلاق لدي الجمهور العام ؟!!
أليس الفن مرآة الحضارة والثقافة في المجتمع ؟! إذن نحن في قلب كارثة أخلاقية ، لذا لا تتعجبوا من اختياري عنوان (كوميديا سوداء) للمقال ، لعل وعسى أجد من يضحك معي من الألم على ما وصل إليه حال الفن في بلادنا ، أو يواسيني بأن القادم أفضل ولابد من صحوة تعيد الموازين إلى نصابها الصحيح يومًا ما.