مقالات الرأى

د. سالي جاد تكتب: المؤثرون وصناع المحتوى.. قوة التأثير ومسؤولية الرسالة في رمضان

0:00

لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نغفل حقيقة مؤكده وهى أن قوة الكلمة والصورة أقوى من أي أداة تغيير أخرى، خاصة في عصر أصبح فيه التأثير لا يُقاس بعدد الصفحات المكتوبة، بل بعدد المشاهدات والتفاعلات.
المؤثرون وصناع المحتوى اليوم يمتلكون القدرة الفائقة على تشكيل العقول وتغيير السلوكيات، يوجّهون المتابعين هنا أو هناك، ويخلقون اهتمامات، وربما يبدّلون قناعات بين ليلة وضحاها. ومع حلول شهر رمضان، تتجدد الأسئلة حول طبيعة المحتوى الذي يقدمه هؤلاء المؤثرون، ومدى انسجامه مع القيم الروحية والاجتماعية لهذا الشهر الفضيل.
توقفت طويلًا أمام هذه الظاهرة التي تتعاظم عامًا بعد عام، ومع كل تطور رقمي جديد نجد أنفسنا أمام مساحة أوسع لمحتوى متنوع، يحمل في طياته ما هو إيجابي وملهم، لكنه في بعض الأحيان ينجرف إلى مساحات سطحية لا تليق بقيمة الشهر وروحانيته ، لذا يمكنني القول إن الأمر لا يتعلق فقط بالمؤثرين أنفسهم، وإنما بكيفية توجيههم نحو تقديم محتوى يحمل رسالة، محتوى يليق بشهر الرحمة والمغفرة، بعيدًا عن الصخب والجدل الذي لا طائل منه.
اللافت للنظر أن هناك شريحة كبيرة من المؤثرين يدركون جيدًا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويحرصون بالفعل على تقديم محتوى يحمل بُعدًا أخلاقيًا أو اجتماعيًا مهمًا .
رأينا في السنوات الأخيرة مبادرات رائعة، مثل حملات التوعية، ودعم المحتاجين، وتقديم نصائح عملية للصيام الصحي، ونشر رسائل تدعو إلى التسامح وصلة الرحم. وهؤلاء هم النموذج الذي يجب أن نلتف حوله، ونشجع صناع المحتوى الآخرين على الاقتداء به.
في تقديري الشخصي، لا أحد يملك الحق في مصادرة حرية الإبداع أو فرض قوالب جاهزة للمحتوى، لكن في الوقت نفسه، نحن أمام فرصة ذهبية لإعادة ضبط البوصلة، ودعوة المؤثرين إلى تقديم ما يترك أثرًا حقيقيًا، بدلًا من محتوى سريع الزوال لا يتجاوز عمره مدة المشاهدة. الأمر لا يتعلق فقط بالمواعظ المباشرة، بل يمكن أن يكون في شكل قصص مُلهمة، أو تجارب إنسانية حقيقية، أو حتى محتوى ترفيهي يحمل قيمة مضافة.
رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو محطة للتأمل والمراجعة، وفرصة لاستعادة القيم التي قد تبهت في زحام الحياة اليومية. فماذا لو أصبح المحتوى الرقمي امتدادًا لهذا الجو الروحاني؟ ماذا لو كانت الفيديوهات والتدوينات والمشاركات مساحة لنشر الخير وتحفيز الناس على أعمال إيجابية، بدلًا من أن تكون مجرد سباق لجذب المشاهدات بأي ثمن؟
أثق أن هناك وعيًا متزايدًا بين المؤثرين، وأرى أن الكثير منهم قادر على صناعة فرق حقيقي إذا ما تم توجيه طاقتهم بالشكل الصحيح.
نحن لا نحتاج إلى رقابة صارمة بقدر ما نحتاج إلى وعي جماعي، إلى إدراك أن الكلمة قد تغيّر حياة شخص، والفكرة قد تفتح بابًا للخير، والرسالة قد تُنقذ قلبًا كان على وشك الضياع. وهنا يكمن جوهر القضية.

زر الذهاب إلى الأعلى