مقالات الرأى

د.أمانى فاروق تكتب : الإرادة… سرُّ الحياة وصناعة المعجزات

0:00

في لحظة ما، قد يشعر الإنسان أن الحياة أغلقت أبوابها في وجهه، وأن الطرق كلها مسدودة، لكنه إن امتلك الإرادة، فسيجد أن حتى الظلام يحمل بين طياته بصيصًا من النور. الإرادة ليست مجرد كلمة، بل هي القوة التي تحرك عجلة الزمن، وهي الفارق بين من يصنع التاريخ ومن يظل مجرد متفرج عليه.

الأسبوع الماضي، كنت في ضيافة الإعلامية المتميزة “غادة شريف” في برنامج “حوار خاص’ على القناة الثانية المصرية، حيث دار نقاشنا حول القضايا والموضوعات الإنسانية والتنموية التي أتناولها في مقالاتي. وبينما كنا نتحدث، فاجأتني غادة بقولها: “الإرادة… أليست هي مفتاح كل شيء؟” وجدتني للحظة أتوقف عند هذه الكلمة التي نسمعها كثيرًا، لكن قليلون هم من يدركون قوتها الحقيقية. عندها، قلت لها بحماس: “مقالي القادم سيكون عنها، لأنها الفكرة التي تستحق أن نتأملها حقًا.” ومنذ ذلك الحين، لم تفارقني هذه الفكرة، بل باتت تتجلى لي في كل قصة نجاح وكل إنجاز تحقق رغم الصعوبات.

تأملت كيف أن أعظم ما صنعه البشر لم يكن نتيجة للصدفة أو الظروف الملائمة، بل كان دومًا نتاج إرادة صلبة لا تعرف التراجع. لو نظرنا إلى حياة العظماء، لوجدنا أن العامل المشترك بينهم لم يكن الموهبة وحدها، ولا الإمكانيات المتاحة، بل إصرارهم على تحقيق ما آمنوا به. ستيفن هوكينج، الذي تحدى مرضه ليغير مفهومنا عن الكون، ونيلسون مانديلا، الذي صبر على ظلمات السجن ليضيء لشعبه طريق الحرية، وطه حسين، الذي لم يكن فقدان البصر حاجزًا أمام بصيرته التي أنارت عقول الأجيال… كلهم لم يُمنحوا طريقًا ممهدًا، بل كانوا هم من صنعوا طريقهم.

وإذا كانت الإرادة تصنع المعجزات على المستوى الفردي، فإنها تتحول إلى وقود يشعل نهضة الأمم حين تتحد إرادة الأفراد لتشكل إرادة شعب بأكمله. ليس غريبًا أن نجد الأمم التي حققت نهضتها بعد صعوبات هائلة لم تكن أغنى الدول بمواردها، ولكنها كانت الأغنى بأحلامها وإصرار شعوبها على تغيير واقعها. فاليابان، التي خرجت من أنقاض الحرب العالمية الثانية، لم تقف تبكي على أطلال الماضي، بل قررت أن تبني مستقبلًا جديدًا، حتى أصبحت اليوم رمزًا للتقدم والتكنولوجيا. وكوريا الجنوبية، التي كانت في الستينيات من أفقر دول العالم، تحولت إلى واحدة من أقوى الاقتصادات بفضل شعب آمن أن الإرادة تصنع المستحيل.

وفي مصر، حيث يواجه الشباب اليوم تحديات متعددة، تصبح الإرادة هي الفارق بين من ينتظر الفرص، ومن يصنعها. والتاريخ المصري مليء بنماذج أضاءت لنا طريق الإرادة، وأثبتت أن لا مستحيل أمام العزيمة الحقيقية. محمد صلاح، الذي خرج من إحدى القرى الصغيرة ليصبح واحدًا من أعظم لاعبي كرة القدم في العالم، لم يكن طريقه سهلًا، لكنه بإصراره حول كل تحدٍّ إلى فرصة. وهناك نماذج أخرى لا تقل إلهامًا، كأبطال مصر من ذوي الهمم، الذين تجاوزوا إعاقاتهم ليحصدوا البطولات ويرفعوا اسم مصر عاليًا، مثل طه حسين في عالم الفكر.
هؤلاء وغيرهم لم يولدوا في ظروف مثالية، لكنهم قرروا ألا يكونوا ضحايا لها، بل أن يكونوا صانعي مستقبلهم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نبني هذه الإرادة في نفوس شبابنا؟ الأمر لا يبدأ بمحاضرات عن التحفيز، ولا ينتهي عند الشعارات، بل هو نتاج بيئة تزرع فيهم منذ الصغر قيمة التحدي والمثابرة. الأسرة تلعب الدور الأول، حين تعلم أبناءها أن الإصرار لا يقل أهمية عن الذكاء، وأن الطريق الصعب هو الذي يصنع الرجال. والمدرسة والجامعة ليستا مجرد أماكن للدراسة، بل يجب أن تكونا معامل لصقل الإرادة، حيث يتعلم الطالب أن كل حلم ممكن، إن قرر السعي إليه. أما الإعلام، فعليه أن يكف عن تصدير اليأس، وأن يقدم نماذج حقيقية تلهم الشباب، لأن الإنسان يتأثر بما يراه ويسمعه، فإن كان محاطًا برسائل تحبطه، فسيظل محبطًا، وإن كان محاطًا برسائل تحفزه، فسيبحث عن طريقه نحو القمة.

إن أعظم الأوطان لم تبنها الحكومات وحدها، بل بناها مواطنون امتلكوا إرادة لا تلين، وحولوها إلى مشروعات، واختراعات، وإنجازات غيرت وجه العالم. والنجاح، سواء كان فرديًا أو جماعيًا، لا يعترف إلا بمن يؤمن بأن الإرادة ليست خيارًا، بل هي جوهر الحياة نفسها. قد تسقط مرات ومرات، لكن الإرادة الحقيقية هي التي تجعلك تقف بعد كل سقوط، وتواصل الطريق مهما كانت العوائق.

في النهاية، لا أحد يولد قويًا، لكن الجميع يملكون الفرصة ليصبحوا كذلك، والفرق الوحيد هو الإرادة. فإما أن نكون ممن يصنعون المعجزات، أو ممن يكتفون بالتصفيق لها… والقرار دائمًا بأيدينا.
——
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الإنتاج الإعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى