مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: “خَبَاثَة” الصَّهَايْنَة و”سَذَاجَة” الحمساوية!!

لم يلتفت كثيرٌ من المراقبين، ومن يتابعون خُطوات ما اصطلح على تسميته “اتفاق وقف إطلاق النار” في غزة لحالة “المشهد الاستعراضي” الذي سيطر على تلك المرحلة من متسلسل الصراع في فلسطين المحتلة؛ والتي لن تكون الأخيرة بحكم الثابت السياسوي العميق لدى “دولة الكيان” والقائم على مقولة “الوطن القومي من النيل إلى الفرات”!
وبصرف النظر عن المُحركات الخفية الدافعة لتنفيذ تلك المرحلة؛ منذ ما روِّج له بـ “طوفان الأقصى”؛ والذي خرج عن الثوابت السياسوية التي تحكم مراحل الصراع والتصادم بشأن هذه المسألة في الداخل الفلسطيني المحلي بوجود منظمة التحرير؛ والتي تعتبر السلطة الشرعية الرسمية؛ فإن تلك اللُّعبة الفجة زادت انتكابات الفلسطينين كثيراً؛ بل وأدخلت القضية برمتها في نفق مظلم للغاية، يعلم الله إلى أين ستصل الأمور به.
إن كوارث هذا الطوفان لم تقفْ عند:
** حالة الدمار البنيوي الهائل للمرافق الضروية كلها في القطاع؛ فصار أرضاً من الخراب الذي طال الأبنية السكنية والمشافي، ومراكز الرعاية المحلية والعالمية.
** تنامي أعداد الشهداء من الفلسطينين في أحدث الإحصاءات إلى 48 ألفاً و181 شهيداً و 111 ألفاً و 638 مصاباً منذ السابع من أكتوبر 2023م (إحصاءات 8/4/2024/). فيما بلغ عدد القتلي المُعلن عنهم من الجيش الصهيوني من بداية الحرب إلى 831 ضابطاً وجندياً من بينهم ،401 وتحديداً منذ بدء العملية العسكرية البرية في قطاع غزة في 27 أكتوبر 2023. أما الجرحى والمصابون “فبلغت أعدادهم أكثر من 5590 إصابة، من بينهم 2535 منذ التوغل البري؛ وعدد من أصيبوا بجروح خطيرة فاق 815، في حين أن من جراحهم متوسطة زاد على 1390 بين ضابط وجندي”. (إحصاءات 9/1/2025م)
** وتؤكد الإحصاءات المتعددة المصادر أن حادث “السابع من اكتوبر 2023م” تسبب في “تهجير أغلبية سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني قسراً وجبراً، وهم بعد توقف العدوان الصهيوني، بدأوا رحلة العودة من خيامهم المؤقتة إلى بيوتهم المهدمة لينصبوا خيامهم هناك إن صلحت الأمكنة!
والمثير في الأمر هو ما يشاهده الجمهور من سيناريوهات استعراضية ذات صبغة سينمائية في عملية تسليم الصهاينة المحتجزين؛ والتي تسيطر عليها المشهدية المزيفة لحالة الواقع؛ وهي حالة محكومة بفكر “الميليشيات” وليس “النظم الدولاتية”.
إذ تنصب جماعة “حاء/ حماس” المنصات وسط الركامات؛ وتضع الصور لبعض قياداتها ممن “استشهدوا” بالعدوان الكريه لجيش الكيان الصهيوني. بل والمؤسف في الأمر أن “العناصر الحائية” في تلك المشاهد تبدو بملابسها مهندمة وسياراتها الحديثة اللامعة وأسلحتها المتنوعة ومنها أسلحة الجيش الصهيوني. فهل خرجت كلها من الأنفاق؟
وإذا كانت هذه المشاهد ذات الطابع الاستعراضي تخاطب الجماعات من “مغيبي الوعي” و”موظفي الشعارات” و”جلاس المقاهي وتعاطي الشيشة” ونخب العنجهية الفاشلة؛ فإن مخاطرها كبيرة في لعبة الصراع الذي لن ينتهي؛ بل ويدل على سذاجة فكر “جماعة حاء/ حماس”؛ والتي تذكرنا بـ “أوبريت عرائس الليلة الكبيرة” للشاعر صلاح جاهين، وخاصة مشهد “الأراجوز مدرب الأسود” بقوله: “أنا شجيع السيما.. أبو شنب بريمة أول ما أقول هالي هب وأصرخ لي صرخة «ها ها ها» السبع يتكهرب ويبقى فرخة! حالا بالا سأصارع أسد إنما أيه متوحش وهخلي وجهه شوارع! تسقيفة يا ناس ما يصحش! أهو جه أهو جاه .. تسقيفة بقى .. تسقيفة أُمال.. تشجيعة أُمال.. تعالى لي اللالي اللالي يا حبيبي تعالي لي”.
فهذا المشهد الاستعراضي المُغالى في سينمائيته؛ له حسابات استراتيجية مخيفة لدى الطرف الآخر؛ مقابل التكتم والتخبئة التي تقوم بها دولة الكيان عند تسليم المحتجزين الفلسطينين للصليب الأحمر؛ إذ أن “المشهد الاستعراضي الحماسي” سيواصل دعم استمرار التفكير العدواني الصهيوني؛ مدفوعاً بأن المسألة لم تنتهِ؛ وهو ما يهدد الجهود الخارجية الساعية لإطفاء الوضع الملتهب.
وهذا المشهد يستدعي المزيد من الأسئلة من نوعية:
– هل ستوقف دولة الكيان الصهيوني تواصل عدوانها على غزة لاحقاً؛ إذا كانت ميليشيات “حاء حماس” خرجت من الأنفاق بسياراتها وأسلحتها، وسط الدمار البنيوي فوق رؤوس أهل غزة كما ظهرت في مشاهدها السينمائية؟
– هل تدرك حركة “حاء/ حماس” مخاطر التوجه الترامبي الداعي للسخرية؛ والساعي للسيطرة على غزة بتهجير أهلها كلهم إلى أرض بديلة في دول مجاورة مثل مصر والأردن، ودول أخرى لإقامة “غزة ريفييرا الشرق الأوسط” كوجهة استثمارية أميركية بمنتجعاتها السياحية. وفي واقع الأمر أن العقلية الترامبية الرأسمالية تلعب هذه اللعبة لتمرير غزة بالوكالة إلى دولة الكيان تبريراً للدعوى بتهجير الفلسطينيين من أرضهم غزة.

– ماذا ستفعل “حركة حاء /حماس” في التواجد الأمني العسكري الأميركي الممثل في ميليشيات شركة الأمن الأميركية ” جي سوليوشنز”؛ والذين يتمركزون في نقاط التفتيش ومنهم 96 عسكرياً سابقاً في قوات العمليات الخاصة الأميركية على وجه الخصوص بأنواع أسلحتهم التي يحملونها. وما هي القواعد الحاكمة لأعمالهم؟

– فهل يعتبر تواجد هذه الميليشيات العسكرية الأميركية خطوة في إطار قيام الأميركيين بالقتال في غزة لاحقاً إذا عادت ميلشيات حماس والتي أظهرت صورتها البراقة في مناسبت تبادل المحتجزين والاسرى؛ دفعاً تجنيب جيش الكيان القيام بالعمليات السابقة نفسها؟
إن السيناريو المقبل مخيف في تصوراته؛ بما يمكن أن يقود المنطقة لمنازلات عسكرية جديدة وشرسة أكثر مما سبق وستكون غير محسوبة النتائج. لذلك فعلى العقل الواعي أن يقرا المشهد بهدوء وعقلانية؛ انطلاقاً من التحليل والقراءة المحايدة للصورة الساذجة التي تبرزها جماعة ” حاء /حماس” الاستعراضية وتلك”الخباثة” التي تروج لها بدهاء دولة “الكيان الصهيوني”!!

زر الذهاب إلى الأعلى