أخبار المحروسة

إمسية شعرية إماراتية كثيفة العدد بين أحضان القاهرة العريقة

كتب : عطا عبدالعال

بين أحضان أحد مبان مدينة القاهرة العريقة حيث يفوح عبق التاريخ والأصالة والثقافة بالقرب من مؤسسات الصحافة المصرية الكبري ( الأهرام والأخبار والجمهورية) عاش الشعراء والمبدعون العرب من الأمارات ومصر وسوريا واليمن وغيرهم أجواء أمسية شعرية ممتعة بصالون قبس للإبداع مع الشاعر والإعلامي الإماراتي الكبير محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة ومدير مهرجان الشارقة للشعر العربي حيث راح البريكي يشدو بعدد من قصائده الشعرية الممتعة التي لاقت تفاعلا كبيرا بين الحضور الكثيف من محبي وعشاق الشعر والابداع الذين راحوا هم أيضا يقاطعونة بين السطر والمقطع حتي خاتمة القصيدة بالتصفيق وعبارات الإطراء ووصل دفء التفاعل وحرارة الإعجاب بأن قام بعض الحضور بمبادلة البريكي إلقاء بعضا من قصائده التي كان يحفظها عن ظهر قلب وبينما كان البريكي يواصل إلقاء بعضا من قصائده كان بين الفينة والأخري – بناءا علي رغبة الجمهور – يتحدث عن وحي الإلهام الذي يأتيه عند كتابة قصائده حيث كان الحضور حريصا علي التعرف أكثر علي أبعاد عالم البريكي الشعري والإبداعي وكيف يحالفه التوفيق بين ملكة الإبداع الشعري وإبداعاته في إدارة بيت الشعر ومهرجان الشارقة للشعر العربي ومجلة القوافي وحياته العائلية وهكذا ظل البريكي لساعة متأخرة من المساء يحلق في فضاء القاهرة الرجب بعبق الإبداع والإمتاع الشعري
مترجلا بين حدائق قصائده الغناء
وأفتتح البريكي أمسيته الشعرية بقصيدة “همٌّ تغادره الحقيبة” وقد ارتقى بحزنه حتى السماء، فجعل الدمع طريقًا للسمو، لكنه لا يرضى بأن يكون أسيرًا لوهمٍ أو مستشارًا لمن خان، معترفا بأنه خان الهمَّ ذات يوم، فاكتشف أن في تلك الخيانة خلاصًا، فهو المسافر الذي يحمل في حقيبته تعبًا يتخفّى بين ثنايا الملابس، وكأن الأمتعة نفسها ترهقها الرحلة، موضحا ذلك في قوله:

أطأُ السماءَ بدمعتيَّ فتركعُ
وأسيرُ عنكَ إلى الطموحِ وترجِعُ

ما كنتَ مؤتَمَناً عليَّ فكيفَ بي
أن أستشيرَكَ في الذي بيَ تصنعُ

يا همُّ خنتُكَ مرّةً فكرهتَني
وعلمتُ أنَّ خيانتي بكَ تنفعُ

فأنا المسافرُ حاملاً بحقيبتي
تعباً بأفئدةِ الملابسِ يقبَعُ

تعِبَتْ خُطاكَ وأنتَ تلهثُ.. والمدى
سرجي وأحصنةُ الخيالِ تُوَدِّعُ

عُدْ.. لن تطولَ غبارَ من فرشوا لهُ
سَجّادةً.. وأتوا إليهِ ليسمعوا

يستدعي الشاعر “نهر النيل” بوصفه كينونةً حيّةً تنبضُ بالرموز والمعاني، فالنهر لا يكون مجرد مجرى مائيّ، بل يتحوّل إلى فضاءٍ شعريّ يفيض بالحبّ والذاكرة والتاريخ، وشاهدا على العشق، ورمزًا للوصال الذي تُسوَّر به القصيدة كما يُسوّر الحبّ بعهوده، بل يصبح محاورًا يسأله عن إرث العشاق، عن مدينته الأولى، وعن قيسٍ الذي تكسّر قلبه على صخرة ليلى، يتجسد ذلك في قوله:

وقلـــتُ لــــهُ: يا نيلُ، مصرُ صباحُها
معي قهــــوةٌ أخرى بشعري مزعفَرَة

“ولمّا طلبتُ الوصلَ منها” تـزَنْبَقَـــت
على الماءِ أشعاري فغارَت صَنَوْبَـرَة

فهــــل أنــــتَ فيمـــــا مرَّ تبني بفكرةٍ
مدينتَـــــكَ الأولى لعبلـــــةَ عنتــــرَةْ

وتذكـــــرُ قيســــاً، هل تريـــــدُ خليلةً
كليلــــى، وليلـــــى قـَـد غوتْهُ لِتَكْسِرَهْ

لكــــلِّ امْرئٍ منـّـا سمــــاءٌ وأنجـُـــــمٌ
وكــــــونٌ لـَــهُ، لا تبلغُ الأرضُ مخبَرَهْ

ومن أجــــلِ هـــذا، قد أعافُ وسادتي
وأوقِـــظُ ليلــــي في خيالي لأسهَـــرَهْ

“أُقَسِّـــمُ جسمي في جســـــومٍ كثيرةٍ”
كما فعـــلَ “ابنُ الوردِ” فعلًا وسطَّرَهْ

فَخُـــذْ ما ترى مني، جنوني، غوايتي
شعــــوري بـــــأنَّ الماءَ يُخفي تَوَتُّرَهْ

وقل لي متـــى يا نيـــــلُ ألقاكَ وادعاً
لأغفِــرَ ذنبَ الحبِّ، والنيلُ مغفِـــــرَةْ

وحين يصبح الطريق إلى الخلاص موحشًا، يمضي الإنسان بين جوعٍ لا يُشبع، وظمأٍ لا يُروى، يتكئ على الصبر، ويكتب بالحبر آخر ما تبقى من أنفاسه، تأتي قصيدة “في الطريق إلى عرفة” حاملة ًأسئلة الإنسان الباحث عن الخلاص، العابر في دروب الحياة المثقلة بالجوع والخذلان، حيث يجسد الشاعر معاناة الإنسان الذي يلوذ بالصبر، لكنه لا يساوم على كرامته، فيسير وسط الظلام متلمسًا بريق الفجر، غير أن طريقه يظل موحشًا، يحيطه الألم وتكتنفه الخيبات، ويظهر ذلك في قوله:

كَمَنْ يجوعُ ولا يلقى سوى حَشَفَةْ
يلوذُ بالصَّخْرِ لكنْ لَمْ يَبِعْ شَرَفَهْ

مضى بِهِ الليلُ.. لا يدري بِهِ أحَدٌ
ودمْعُهُ رُغْمَ طولِ الليلِ ما عَرَفَهْ

وكانَ بينَ صباحٍ مُظْلِمٍ غَدُهُ
وبينَ ليلِ الرجا مُسْتَوْطِناً أسَفَهْ

يُقَدِّمُ الحِبْرَ للأوراقِ منْفَعَةً
لكي يَخُطَّ عليها فكرةَ الأنَفَةْ

وَهَيّأَ الجَوَّ والأفكارَ ثُمَّ بدا
يُكاشِفُ الوقْتَ لكِنْ غابَ ما كَشَفَهْ

وقالَ: رُبَّ ظلامٍ ينجلي بِضِيا
كَيْ يَتْرُكَ الجائعُ المهمومُ مُعْتَكَفَهْ

وقَدْ تَذَكَّرَ أنَّ الحقْلَ يَطْلُبُهُ
فجاءَ بالقمحِ لكِنْ لَمْ يَجِدْ كَتِفَهْ

أما ختام الأمسية، فقد جاء بنفَسٍ ملحمي مع قصيدته “رحلة أخرى إلى القيصر” فينسج الشاعر محمد عبدالله البريكي نسيجًا شعريًا مترعًا بالرمز والتأمل، حيث يتخذ من الصحراء مسرحًا لرحلةٍ وجودية تتداخل فيها الأسطورة مع التاريخ، وينبعث فيها الماضي ليحاور الحاضر، ويقف الشاعر على أطلال القيم المتهاوية، مستعيدًا صدى الفرسان العظام الذين خطوا مآثرهم في رمال الزمن، فالقصيدة ليست مجرد تأمل في الخراب، بل هي ارتحالٌ بين الوجع والرجاء، حيث يضيء الشعر الطريق نحو أفقٍ أكثر إشراقًا، نحو حقلٍ لا تزال جذوره تمتد في عمق الطموح، رغم ركام الحاضر وتصدعاته، مبينًا ذلك في قوله:

لَـنْ تستقـِــــرَّ إذا ذَهَبْــــتَ لِقَيْصرا
فاعبُـــرْ خفيفــــاً في الفَـلاةِ مُبَشِّرا

وارجـِــعْ إلى أهْلِ الخيامِ ولُذْ بهم
أو دونَـــكَ الصَّحْراءُ كي تَتَشَنْفـــرا

قَــــدْ آنَ للرّملِ الذي سُفِكَـت عليــ
ـــــــــــــــــــهِ دِمــــاءُ بعضِ الخَلْقِ أن يتطهَّرا

ما زالَ فينــــا حاتَـــمٌ.. ولضيفِــــهِ
ذَبَـــحَ الحِصـــــانَ ولَمْ يَنَمْ مُتَكَدِّرا

مازالَ فينـــــا من إذا حَمِــيَ الوطيـ
ــــــــسُ يَهُــبُّ لِلْهَيْجــا ويُصبحُ “عَنْترا”

مازالَ فينـــــا الدَّمْــــعُ شفّافـــاً إذا
يَبْكــــي على السّجّــادِ يُصبحُ كَوْثَرا

أتَــــرى مَعــــي هذي المَضاربَ كلَّما
اخْتَلفَت يَضِـجُّ بها الفَناءُ.. ألا تَرى؟

وأنا رَفيقُــــكَ في المَدى أَخْفَيْتُ عنــ
ــكَ الدَّمْــــعَ كي تخطــو ولا تَتَعثَّرا

وعَدَوْتُ في الصَّحْراءِ، صرتُ أخاً لها
ومَشَيْـــتُ فَـــوْقَ رمالِهـــا مُتَبَخْتِرا

وحفلت الأمسية بنقاشات عميقة قادها الشاعرين إيهاب البشبيشي ومحمد عبد الوهاب، حيث استكشفا مع البريكي مكامن الإبداع في نصوصه، وتوقفا عند جماليات اللغة والصورة الشعرية،

زر الذهاب إلى الأعلى