مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: يومٌ لـ “جبر الخواطر”

لو فكر كلٌّ منا فى التعامل مع غيره بهذا المبدأ الإنساني النبيل، وهو “جبر الخواطر”، والتفكير الجاد فى إسعاده وإدخال البهجة على نفسه، ولو بالنذر القليل، من خلال تقديم مساعدة يستحقها، أو بتصرفٍ رفيعِ، أوبكلمةٍ طيبةٍ، فإنَّ كثيرًا من “التراكمات السرطانية” التى تسللتْ إلى الشخصية المصرية خلال العشرية الأخيرة، وانتشرت وتوغلت فيها، سوف تزول تدريجيًا، ومن ثمَّ.. يعود المصريون إلى سيرتهم الأولى، وتعود إليهم القيم الغائبة، مثل: الوفاء والشهامة والنُبل والكرم وإغاثة الملهوف.. ودعْ القوسَ مفتوحًا، وفي ذلك يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيتُ عبادة يتقربُ بها العبد إلى ربه، مثل: جبر خاطر أخيه المسلم”.
نحن فى احتياج شديد لتعميم “جبر الخواطر” بينا وعلينا، فيكون هو النموذج الأصيل، والقاعدة الأساسية، في المستشفى والمدرسة والبيت والعمل والشارع، ويغدو مكونًا أساسيًا وركنًا ركينًا في الشخصية المصرية. من الجنون والشطط.. أن يكون السلوك العام الذى يحكمُ تصرفاتنا هو: التفننُ في كسر الخواطر، وقصف الجبهات، فيتطاول مَن يظن نفسه كبيرًا على مَن يراهم أدنى منه جاهًا أو مالاً أو منصبًا، ويتخذه سخريًا، أو يتعمد تجريحه وإحراجه وإشعاره بالدونية.
تعالوَا نَقلبْ صفحاتِ الماضى بكل سوءاته، مزِّقوها، اعتبروها كأن لم تكن، ولنهذِّبْ أنفسنا ونضبطْ مساراتها ونُعدْها إلى طريق الرشاد، ونحذفْ من قواميسنا اليومية عباراتِ السخرية وكلماتِ الازدراء وألفاظَ الاحتقار ومفردات الإهانة والتنمر، فكونك ثريًا أو نافذًا لا يمنحك الحقَّ فى إهانة مَن هم دونك، فلكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ، فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ، هي الأيامُ كما شاهدتها دُولُ، مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ، وهذه الدار لا تُبقي على أحد، ولا يدوم على حالٍ لها شانُ.
اجعلوا الرفق شعارًا لكم فى الحياة، وجبر الخواطر شِرعة ومنهاجًا. اجبروا خواطر كل مَن حولكم، ولو بكلمة طيبة، أو بإلقاء السلام، أو رد التحية بأحسنَ منها. إياك أن تتوهم إن إذلال خادمك أو حارس عقارك، أو بائع متجول، أو أى إنسان لم تنصفه الأيام، بطولة أو نصرًا مبينًا، بل هى ذروة الخسَّة وقمة النذالة فى أقبح صورها..لو أقدمت على فعل ذلك فاعلم أنك بئس الإنسان. إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك!
وما أدراك، فلعلَّ الشخص الذي تجبر بخاطره اليوم، يكون هو نفس الشخص الذي سوف يُجبر بخاطرك، أو بخاطر مَن تُحبهم غدًا؛ فمَن سار بين الناس جابرًا للخواطر، أدركه اللهُ في جوف المخاطر. النفس السويَّة تسعد بإسعاد غيرها، ولا تجد أية لذة في كسر خواطر الآخرين. لا تكسرن بخاطر أحد؛ فتكون سببًا في قهره وغضبه وحزنه وإيلام فؤاده، فيفوِّض الله فيك.
وفي الأخير.. أقترح على معالي وزيرة التضامن الاجتماعي، أن تطلق يومًا لـ “جبر الخواطر”، يكون عيدًا للمصريين من كل عام، يتسابقون فيه إلى جبر خواطر الفقراء والمرضى والمشردين ومَن تقطعتْ بهم الأسباب والسبل، وفى مثل ذلك فليتنافس المتنافسون، وأتمنى أن يشهد هذا العيد فى كل عام، تكريم شخصيات بارزة فى العمل الإنسانى النبيل، ممن لا يبحثون عن شهرة ولا يراؤون الناس، فضلاً عن تكريم شخصيات أخرى، من عوام الناس، تكون قد أنجزتْ خيرًا فى هذا المضمار. ربما لو تم تحديد عيد لـ “جبر الخواطر” نكونُ قد أنجزنا شوطًا كبيرًا فى إعادة الشخصية المصرية إلى عهدها القديم، ونجحنا فى إصلاح ما أفسدته الأيام.. فهل أنتم فاعلون؟

زر الذهاب إلى الأعلى