مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: أن تعيشَ يومًا جديدًا !!

هي مِنحةٌ ربَّانِيَّة، وفُرصةٌ أضافها القَدَرُ لرصيدِك، عُمْرُك هو رصيدُك الذي تَستخدمُه لتبعثَ بما تُريدُ إلى دارِك الجديدةِ الباقية، فكلما أنعمَ اللهُ عليك بيومٍ في هذه الحياة فسبحانه يُهديك فرصةً لتَزيدَ من رصيدِك وتُحَسِّنَ مِن نفسِك وتُعيدَ النظرَ فيما فات، فإن كنتَ خاسرًا توقفتَ عما يُسبب لك الخَسارة، وإن كنتَ رابحًا كان لديك فرصةٌ أخرى لزيادةِ أرباحِك والعملِ على أن تكونَ أملاكُك أكثرَ في الحياةِ الباقية.

إحسانُك السابقُ لأحدٍ في هذه الدنيا _ وليس شرطًا أن يكونَ آدميًّا _ ربما يُنجيك اليومَ من كرب، فترى سترَ اللهِ معك، وتعرف قيمةَ ما قدمتَ من إحسان، فأحسِنِ اليومَ أيضًا وزِدْ في رصيدِ إحسانِك لتضمنَ سترَ اللهِ غدًا في المستقبلِ القريبِ أو البعيد، اصنعْ معروفًا جديدًا يكن لك رصيدًا؛ فصنائعُ المعروف تغفرُ الذنوب، وتستُرُ العيوب، وتُفرِّجُ الكروب.

في بدايةِ عامٍ جديد أو فرصةٍ جديدةٍ في الحياة، توقفتُ عند قول الله تعالى على لسان السيد المسيح _ عليه السلام _: ” وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ… ” ( مريم _ 31 )، لأتساءل: كيف يكون الواحدُ منا مباركًا في أي مكان يُوجد فيه؟! والإجابة: أن يَعُمَّ نفعُك… أن يُصيبَ المكانَ الذي تُوجد فيه أو تَمُرّ نفعٌ، وأقلُّ النفع _ إذا لم تُضِفْ شيئًا _ ألا تُسببَ أذى، والنفعُ لا يكونُ بعطاءٍ ماديٍّ فقط، فابتسامةُ الأمل نفع، وإماطةُ الأذى نفع، والمقارنةُ بين الكلمات لاختيار الأحسنِ والأطيبِ عند القول نفع، والطبطبةُ على الأرواحِ التي تُعاني نفع.
واعلمْ أن المعروفَ والنفعَ الذي تُقدمه اليومَ إنما هو معروفٌ تُقدمه لنفسِك وذُريتِك غدًا، فلا تُضيِّعْ فرصةَ اليومِ الجديد الذي أنعمَ اللهُ به عليك لزيادةِ رصيدِك.

في قول الله تعالى ” وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ … ” ( الكهف _ 82 )… رُوِيَ عن “سَعِيد بن جُبَيْر” العالِم التابعي الشهير _ رَحِمَهُ اللهُ _ أنه قال: ( إنَّ وَالِدَ الغُلامين كَانَ يُؤَدِّي الْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعَ إِلَى أَهْلِهَا، فَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى كَنْزَهُ حَتَّى أَدْرَكَ وَلَدَاهُ فَاسْتَخْرَجَا كَنْزَهُمَا ).

ثم لماذا أقسمتْ أُمُّ المؤمنين “خديجة” رضي الله عنها _ والقسَمُ دليلُ تأكدها _ على أنَّ اللهَ لن يُخزيَ المصطفى _ صلى الله عليه وسلم _ أبدًا؟! لأنها تعلمُ من سِيرة زوجِها أنه يَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ الكَلَّ (يساعد الضعيف بالمال أو بغير المال) ويَكْسِبُ المعدوم (يسعى في طلب العاجز)، ويَقري الضيف (يُكرمه)، ويُعين على نوائب الحق (مصائبه وحوادثه)!!

أن تعيشَ يومًا جديدًا فأنتَ في نعمةٍ يَحسُدك عليها مَن فارقَ الحياةَ وأضاعَ وقتَه (عُمره) في غيرِ نفع، فما بالُك إن أنعمَ اللهُ عليك وعِشْتَ عامًا جديدًا؟! إنها نعمةٌ تَستحِقُّ الغِبطة!!

“… وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ… ” ( المزمل _ 20 ).

زر الذهاب إلى الأعلى