مقالات الرأى

إميل أمين يكتب : الشرق الأوسط الكبير..أحلام وأوهام

قبل أن يصل بوش الأبن إلى البيت الأبيض بنحو عقدين، وبالتحديد في عام 1982 ، تصور وزير الدفاع الإسرائيلي أرئيل شارون ، نظاما جديدا في الشرق الأوسط، حيث ينعم لبنان بالحرية تحت حكم حكومة مارونية موالية للغرب ، وتنشا دولة فلسطينية في الأردن، كما أعتقد ذلك المحارب العتيد، أن الغزو الإسرائيلي للبنان من شأنه أن يدمر منظمة التحرير الفلسطينية ، ويضمن أمن إسرائيل .
ورغم أن الأمر لم يمض على النحو الذي فكر فيه شارون وقتها، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأطراف الإسرائيلية من التفكير فيه وبقوة لاحقا .
في أعقاب إتفاق أوسلو عام 1993، وعد شمعون بيريز وتوماس فرديمان، عراف العولمة الأشهر من النيويورك تايمز، بإنشاء ” شرق أوسط جديد”، وبدلا من القتال، سيطلق الشباب الفلسطينيون والإسرائيليون ، شركات ناشئة عالية التقنية، وستحطم سيارة ليكسوس شجرة الزيتون ، وتبشر ب” نهاية التاريخ “.
أعتبر العم سام بقيادة بوش الإبن، أن إزالة نظام صدام حسين ، سوف يؤدي إلى إزدهار شجرة الحرية، ونشوء وإرتقاء المسيرة الديمقراطية المؤيدة للنموذج الأميركي بنوع خاص، ومن هنا مارس سيد البيت الأبيض تمارينه الخاصة بتغيير الأنظمة وإسقاط الرؤساء ، غير أن ذلك لم يفلح في تغيير وجه الشرق الأوسط ولم ينجم عنه سوى بعض التشوهات في العلاقات الأميركية- الشرق أوسطية بنوع خاص .
لم يتوان حكام البيت الأبيض عن محاولة تشكيل شرق أوسط طائع منصاع لأحلامهم أو أوهامهم، وربما يما يتسق مع رؤاهم الإستراتيجية المخملية ، فقد تبع حقبة بوش الأبن زمن الربيع العربي المغشوش في أوائل العقد الثاني من القرن الحالي ، والذي توهم أيضا رعاته ، أنه سيطلق موجة من الثورات الليبرالية الديمقراطية شرق أوسطيا، ببريادة وقيادة شباب من مجتمع الفيسبوك المجتمعين في ميدان التحرير، في العاصمة المصرية القاهرة .
لكن النتيجة من تونس ، إلى مصر، ومن ليبيا إلى ،سوريا،ومن العراق إلى اليمن جاءت كارثية، سيما أن الشيء الوحيد الذي وجد فرصة للصعود والترقى، كان الحركات الإسلاموية السياسية ، والتي عرفت كيف تصل إلى الديمقراطية عبر سلم عال، ثم حاولت أزاحته بعيدا لتبق لها السيطرة وتنفيذ أجنداتها الظلامية، وهكذا مرة جديدة، أخفقت التعبيرات الهلامية في تغيير واقع المنطقة .

يعن لنا أنت نتساءل مخلصين التساؤل والبحث عن الجواب :” هل هناك خطأ في أن فكرة حلم الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ؟
الشاهد أن الحلم في حد ذاته أمر جيد، سيما إذا صاحبته قدرات حقيقية تسعى في طريق تغيير الواقع إلى الأفضل، وهناك أدلة وتطبيقات عملية وتاريخية عديدة على هذا السعي المحبوب والمرغوب، وليس أخرها الإتحاد الأوروبي، ذاك الذي عرفت دوله حربين عالميتين كبيرتين، أنهكتا أصحابه، وأسفرتا عن ملايين القتلى ، ومع ذلك أنتصرت إرادة الحياة لاحقا، وعرف الأوروبيون نموذجا للتعايش السلمي الدفاع في طريق النمو والإستقرار .
غير أن الشرق الأوسط وحلمه المتعثر، نجم عن أخذ زعماء سياسيين غير عرب ولا شرق أوسطيين في اصلهم وفصلهم، أوهامهم مأخذ الجد، وفي كثير من الأحيان أستخدموا الأطروحة لحشد الدعم لسياساتهم المكلفة ، وبات الشرق الأوسط لاحقا، جحيما مفروشا بالنوابا الحسنة .
من هنا يمكن معرفة لماذا أحلام شارون الخيالية أدت إلى حرب طويلة وكارثية في لبنان، والتي أنتهت بجر إسرائيل إلى مستنقع ، وتاليا إغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، ثم طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت،ومن ثم جاءت الإنتفاضة الفلسطينية عام 1987.
وعلى الرغم من أن إتفاقية أوسلو عام 1993 أشعلت توقعات السلام، وتغيير وجع الشرق الأوسط، إلا أنها فشلت لاحقا، وحتى العم سام في شخص الرئيس الأميركي بيل كلينتون، أخفق بدوره في عام 1999 في كامب ديفيد، في التوصل إلى صيغة جديدة تعيد كتابة إنتصارات جيمي كارتر عام 1979 ، والمثير لاحقا أن شارون الحالم بشرق أوسط مغاير، كان هو من تزعم الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
أما حرب العراق، فقد أثبتت أنها كارثة إستراتيجية ذات أبعاد تاريخية ، في حين تحول التدخل العسكري في أفغانستان إلى أطول حرب خاضتها أميركا .
أدت الحروب إلى إنهيار توازن القوى في الشرق الأوسط، الأمر الذي سمح لإيران بالظهور في نهاية المطاف، كقوة تسعى للهيمنة الإقليمية، عبر مجموعات من الوكلاء الشيعة في اليمن كالحوثيين، وفي العراق كجماعات الحشد الشعبي، وفي سوريا من الموالين لها، وطفا حزب الله بقوة في الساحة اللبنانية، وترعرعت حماس في قطاع غزة .
ويبدو أن مقولة رئيس الوزراء البريطاني العتيد ” ونستون تشرشل” كانت قد تحققت فعلا، بأن الولايات المتحدة ستفعل الصواب لاحقا، لكن بعد أن تجرب مائة طريقة خاطئة ، ومن تلك الطرق الكارثية المساعدة في الإطاحة بنظام العقيد القذافي في ليبيا ، ونظام بشار الأسد في سوريا ، وعلى عبد الله صالح في اليمن، ما أوجد الفرصة السانحة ، الفسيحة المريحة، لتنظيمات راديكالية من نوعية ” داعش ” لتجرب حظها في إقامة دولتها الحدودية بين العراق وسوريا، وتجمع من حولها عشرات الآلاف من المقاتلين الشباب .
هنا يعن لنا التساؤل :” هل كانت المشروعات الغربية للشرق الأوسط، لا سيما تلك التي قادتها واشنطن في ولايتي بوش الأبن من جهة، وباراك اوباما من جهة تالية، دافعا مؤكدا إلى بلورة ما عرفه أحد افضل العقول الأميركية ، ب” محور الدول الفاشلة “، والتي معها يضحى من الرفاهية التصديق بأن هناك بالفعل إمكانية للوصول إلى فكرة شرق أوسط جديد ومغاير ، بل وتقدمي وقابل للحياة ؟
إلى قراءة قادمة متممة ومكملة .

زر الذهاب إلى الأعلى