مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: “قامات مصرية” ـ عبد الرزاق السنهورى باشا – 7

قيمة وقامة مصرية كبيرة ، أحد أعلام الفقة والقانون ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربى فى القرن العشرين . لقب ب “حارس القانون” وعملاق الأحكام المدنية ، وضع القانون المدنى مستمدا أحكامه من الشريعة والعرف المدنى ، ساهم فى صياغة دساتير عدة دول عربية ، كان رئيسا لمجلس الدولة ، وعلى الرغم من مشاركته فى صياغة مبادئ ثورة يوليو 1952 مطلقا عليها “عقد النور” إلا أنه عزل من منصبه وفرضت عليه عزلة إجبارية من 1954 -1970 ، لصدامه مع عبد الناصر لمطالبته بالحكم الدستورى وحل مجلس قيادة الثورة وإلغاءه للعديد من قرارات أصدرها عبد الناصر ، ثم تم حل مجلس الدولة فكانت ما عرف بمذبحة القضاء الأولى .
ولد عبد الرزاق السنهورى بالأسكندرية سنة 1895م لأسرة فقيرة ، توفى والده الموظف بمجلس البلدية وهو فى السادسة من عمره تاركا والدته وسبعة من الأخوة والأخوات ،وكان قد الحقه “بالكتاب” ، ولكن أصرت والدته على إلحاقة بمدرسة راتب باشا لينال الإبتدائية ثم حصل على الشهادة الثانوية من المدرسة العباسية بالأسكندرية وكان الثانى على طلاب القطر المصرى . خلال تلك الفترة كان يتردد على المكتبات العامة والمعهد الدينى فأتطلع على درر التراث العربى فقرأ كتاب الأغانى والأمالى والعقد الفريد وأشعار المتنبى وكان شاعره المفضل .
حرص السنهورى على إستكمال تعليمة إلى جانب عمله موظف بوزارة المالية فحصل على ليسانس الحقوق باللغة الإنجليزية من مدرسة الحقوق الخديوية 1917م وكان ترتيبه الأول . عين بالنيابة العامة بالمنصورة ، وخلال تلك الفترة تأثر بالزعيم مصطفى كامل وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية ، كما كان معجبا بالكواكبى وعبد العزيز جاويش ، وبسبب مشاركته فى ثورة 1919م عاقبه الإنجليز بنقله إلى أسيوط ، وفى العام التالى ترقى إلى منصب وكيل النائب العام ثم ترك القضاء إلى تدريس القانون فى مدرسة القضاء الشرعى .
سافر السنهورى إلى فرنسا 1921م فى بعثة دراسية لدراسة القانون فى جامعة ليون ، وبدأ فى إنتقاد الحضارة الغربية والإنبهار بالغرب ، وفى فرنسا وضع رسالته الإصلاحية التى عرفت ب “مواد البرنامج” تضمنت رؤيته فى الإصلاح فكانت رسالة الدكتوراة عن ( القيود التعاقدية على حرية العمل فى القضاء الإنجليزى ) ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراة . وأثناء وجوده فى فرنسا ألغيت الخلافة الإسلامية فعمل رسالة إخرى للدكتوراة عن ( فقة الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية) رغم تحذيره من صعوبتها .
عاد السنهورى إلى مصر 1926م فعين استاذا للقانون المدنى بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة) . بدأ المشاركة فى المعارك السياسية والفكرية التى كانت تشغل إهتمامات المجتمع المصرى قبل 1952م ورغم عدم إنتمائه لأى حزب فكان دائما مع تيار التغيير والإصلاح ، لذلك فصلته الحكومة من الجامعة 1934م خاصة بعد تأسيسة “جمعية الشبان المصريين “.
ولمكانتة القانونية والفقهية دعته الحكومة العراقية فى العام التالى لزيارتها فأنشأ لها كلية الحقوق وأصدر مجلة القضاء ووضع مشروع القانون المدنى للدولة وعدد من المؤلفات القانونية لطلابها .
بعد ثلاث سنوات عاد إلى مصر وعين عميدا لكلية الحقوق ورأس وفد مصر الدولى للقانون المقارن فى لاهاى ، ثم أسندت إليه وزارة العدل إعداد مشروع القانون المدنى الجديد وقد أنجزه رافضا الحصول على أى مكافأه ، وللمرة الثانية أجبر على ترك الجامعة فعاد إلى القضاء فأصبح قاضيا للمحكمة المختلطة بالمنصورة ، ثم وكيلا لوزارة العدل فمستشارا ثم وكيلا لوزارة المعارف العمومية ، ثم تم إبعاده فعمل بالمحاماة . وعاد للعراق مرة أخرى لإستكمال مشروع القانون المدنى الجديد لها، وتحت ضغط من حكومة الوفد على حكومة العراق سافر السنهورى إلى دمشق لوضع مشروع القانون المدنى لها ، وفى تلك الفترة وضع أول مخطط لإنشاء إتحاد عربى 1944م قبل الجامعة العربية كما وضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذى تأجل تنفيذه حتى 1952م .
وأيضا بسبب ضغوط حكومية عاد إلى مصر وتولى وزارة المعارف فى أربع وزارات من 1945-1949م ،وخلال تلك الفترة أسس جامعة فاروق الأول (الأسكندرية) وجامعة محمد على (جامعة أسيوط ) ،كما عين بمجمع اللغة العربية ورئيسا لمجلس الدولة الذى شهد أكبر تطور تنظيمى وإدارى فى تاريخه وإصدار أول مجلة له وتحول المجلس فى عهده للحريات واستمر به حتى 1954م .
بعد إلغاء دستور 1923م شارك السنهورى فى وضع الدستور المصرى ،وبعد إستقلال ليبيا سافر إليها ووضع قانونها المدنى الذى صدر 1953م دون مقابل .
فى سنة 1954م كانت النهاية المحزنة ل”حارس القانون ” بعد الصدام مع الرئيس جمال عبد الناصر ، على الرغم من أن السنهورى كان من مؤيدى ثورة يوليو وساهم فى صياغة ووضع المبادئ الست لها مطلقا عليها ” عقد النور” ، وصياغة وثيقة تنازل الملك فاروق ، إلا أنه كان ممن طالبوا بحل مجلس قيادة الثورة وعودة الحياة الحزبية وجعل سلطة قضائية لتكون الحكم بين الدولة والشعب، بالإضافة إلى إلغاءه للعديد من قرارات أصدرها عبد الناصر بنفسه ، فتم عزله من رئاسة المحكمة الدستورية وعن الساحة القضائية . إلا أن ذلك تم بطريقة مهينة لا تليق مع مكانته ، حيث تم تنظيم مظاهرة من مجموعة من عمل النقل العام هتفت بسقوط الأحزاب والنقابات والرجعية والدستور ومعه الحرية والديمقراطية وعند وصولها إلى مجلس الدولة وصفت السنهورى بالجاهل والخائن وهتفت بسقوطه واقتحموا المبنى واعتدوا على السنهورى فى مجلس الدولة فأصيب ونقل إلى المستشفى ، وفى تحقيقات النيابة اتهم السنهورى الصاغ عبد الناصر بتدبير ما حدث ، وطلب من زوجته وهو بالمستشفى عدم السماح لعبد الناصر بزيارته وكان منتظرا خارج الغرفة .
تم حل مجلس الدولة وتصفية لرجال القضاء العاملين به وهو ما عرف بمذبحة القضاء الأولى ، ثم أصدر عبد الناصر قانونا جديدا ينظم المجلس .
لم يسمح للسنهورى طوال العزل الإجبارى بالسفر إلا مرة واحدة سنة 1960م تلبية لدعوة أمير الكويت لوضع دستورها واستكمال المقومات الدستورية القانونية التى تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة ، واستطاع خلال العزلة إنتاج العديد من المؤلفات القانونية المهمة ، كما وضع المقدمات القانونية لدستور دولة الإمارات العربية والسودان .وظل فى العزل الإجبارى من 1954م حتى وفاته فى 21 يوليو 1971م .

زر الذهاب إلى الأعلى