مقالات الرأى

د.أمانى فاروق تكتب : ابتسامة تعكس القوة: حين ينتصر النور الداخلي على ظلام الحياة

كم مرة نظرت إلى شخص بابتسامة مشرقة وتساءلت: “كيف يمكن لهذه الابتسامة أن تُخفي خلفها أي ألم أو معاناة؟” قد ننسى أحيانًا أن الوجوه المشرقة ليست دائمًا خالية من الهموم، وأن خلف كل ابتسامة قصة من النضال، الإيمان، والتحدي. هذا السؤال البسيط يعكس حقيقة أعمق؛ وهي أن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على الاحتفاظ بالنور الداخلي رغم كل ما يمر به الإنسان من ظلام.

بالأمس، خلال لقاء مع شخصية مرموقة ومحترمة، قيلت لي كلمات جعلتني أتوقف للتفكير: “معندكيش مشاكل في حياتك أكيد، الابتسامة وروح التفاؤل دي مش ممكن تكون عند حد بيعاني.” كلمات أدهشتني لأنها لامست سطحًا مشرقًا، دون أن تعرف عن العمق الذي خضته في سنوات مضت.

الحقيقة أن الحياة ليست سهلة على أحد، وخاصة في مجتمعنا الحالي، حيث تعيش الأسر المصرية ضغوطًا متواصلة، بين تحديات اقتصادية، اجتماعية، وتربوية وخاصة مع تزايد غزو الثقافات الغربية والاستهلاكية. ومع ذلك، هناك دائمًا تلك القوة الداخلية التي تدفعنا للاستمرار مهما بلغت صعوبة الظروف.

من واقع تجربتي الشخصية، أدركت أن الحفاظ على الابتسامة والنقاء الداخلي ليس بالأمر السهل. لقد اخترت أن أجاهد وأقاوم حتى يظل قلبي منيرًا، مهما كانت التحديات. لا مكان في داخلي للحقد أو الكراهية، ولا أسمح للسواد أن يتسلل إلى روحي. أؤمن بأن الخير الذي نقدمه للآخرين ينعكس دائمًا على حياتنا، وأن التفاؤل لا يعني إنكار الواقع، بل الإصرار على مواجهته بروح مليئة بالأمل والثقة بالله.

هذه القناعة ليست قاصرة على الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل واقعنا الاجتماعي، فكم من أم تكافح لتربية أبنائها في ظروف صعبة، وكم من شاب يحاول تحقيق أحلامه رغم العقبات؟ هؤلاء جميعًا يجسدون فلسفة التفاؤل، التي تبني المجتمعات وتقوي الأواصر بين أفرادها.

التفاؤل ليس رفاهية، بل هو سلاح يواجه به الإنسان تقلبات الحياة، إنه انعكاس للإيمان العميق بأن مع العسر يسرًا، وبأن الغد يحمل دائمًا فرصة جديدة للنهوض، فالابتسامة ليست مجرد مظهر، بل هي دليل على روح اختارت النور بدلًا من الظلام، وعلى قلب يثق بأن القادم أفضل بإذن الله.

يمكننا أن نلخص هذه الفكرة بمشهد بسيط يمكننا تحيله لكنه عميق الدلالات: تخيل بناية واحدة تسكنها عائلتان، تتشاركان نفس الطقس والبيئة والظروف الاقتصادية. في الطابق الأول، شقة مليئة بالحياة؛ نباتات خضراء تتراقص مع نسيم الصباح، وأصوات ضحكات تنبعث من الداخل، أما الطابق الثاني، به شقة مغلقة، نوافذها مغطاة بستائر ثقيلة تمنع ضوء الشمس من التسلل، وأجواء يسودها الصمت والكآبة.

الفرق بين الشقتين ليس في المكان أو الظروف، بل في القلوب التي تسكنهما، إحداهما اختارت أن ترى الحياة بمنظور يضيء حتى أحلك اللحظات، بينما الأخرى سمحت للظلام أن يغلق نوافذها.

الحياة ليست دائمًا ما نراه من الخارج، بل ما نختار أن نحمله في قلوبنا. لذا، إذا رأيت وجهًا مبتسمًا، تذكر دائمًا أنه قد يكون شاهدًا على معركة انتصر فيها النور الداخلي على ظلام الحياة.
————-
مدير مركز التدريب والتطوير – مدينة الانتاج الإعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى