مايسة السلكاوى تكتب: (قامات مصرية) د. حسن عباس زكى – 6
مفكر وإقتصادى مصرى قدير ، شغل منصب وزير الإقتصاد فى مرحلة صعبة للإقتصاد المصرى إبان تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى ، حيث تم تجميد أرصدة مصر فى أوروبا وأمريكا ، فيرجع إليه الفضل فى استعادة نحو 90 مليون جنية استرلينى ، وهو أيضا منفذ قرارات التأميم عام 1961م على الرغم من عدم إقتناعه بها ، كما جاء فى آخر حديث صحفى له مؤكدا أن الثورة ومسؤليها أفسدوا الشعب المصرى وعطلوا 75 مليون كمبيوتر إلهى هى عقول المصريين !
أسهم هذا الخبير الإقتصادى القدير فى بناء دولة الإمارات إقتصاديا فى سبعينيات القرن العشرين كما أسس العديد من الكيانات الإقتصادية .
ولد حسن عباس زكى عام 1917م فى مدينة بورسعيد عن أسرة عريقة ، حفظ أجزاء من القرآن الكريم فى سن الرابعة من عمره ثم التحق بالجمعية الخيرية الإسلامية حيث قضى فيها المرحلة الإبتدائية ثم التحق فى المرحلة الثانوية بالمدرسة التوفيقية بالقاهرة ، وأتم دراسته الجامعية بكلية التجارة شعبة اقتصاد جامعة فؤاد الأول “القاهرة” 1938م .
تقلد د. حسن عباس زكى العديد من المناصب الرسمية ، فكان سكرتيرا تجاريا بسفارة مصر فى واشنطن 1952م ، ورئيسا للجنة المفاوضات مع الإنجليز لتحرير الأرصدة المصرية بعد حرب 1956م ،وعين عضوا فى وفد مصر بهيئة الأمم المتحدة 1957م وفى العام نفسه انتخب عضوا بمجلس الأمة حتى 1970م ، كان وزيرا للخزانة والتموين والاقتصاد من 1965-1971م ، ثم استعانت به دولة الإمارات العربية ليكون مستشارا لرئيس الدولة ، كما عين نائبا لرئيس صندوق أبو ظبى للإنماء خلال الفترة من 1972- 1985م .
بعد أن ترك المناصب الرسمية والأعباء السياسية ، أسس وترأس العديد من الكيانات الإقتصادية والإنسانية ، فأسس بنك الشركة المصرفية العربية الدولية وتولى رئاسته لمدة 39 سنة من 1973- 2012 . إلى جانب العديد من المناصب منها رئاسة الشركة العالمية للتأجير التمويلى وعضوية مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ، وشيخ الطريقة الشاذلية ، ورئاسة جمعية المركز العالمى للتوثيق والدراسات والتربية الإسلامية ، وعضوية المعهد العلمى ،بالأضافة إلى إنتاجه الفكرى الغزير ليشمل العديد من المؤلفات التى أثرت المكتبة الإقتصادية .
كانت للدكتور حسن عباس بصماته فى كل ما أسند إليه من مهام سواء على المستوى السياسى أو الإقتصادى ، فنجح فى مفاوضاته مع الإنجليز بعد تجميد أرصدة مصر فى بنوك إنجلترا وفرنسا فاستطاع الإفراج عن أرصدتنا الإسترلينية 1959م والتى بلغت 90 مليون جنية استرلينى ، كما استطاع توفير الإعتمادات اللازمة لبدء الإرسال التليفزيونى فى 21 يوليو 1960 ، كما نجح فى إقناع الرئيس جمال عبد الناصر بإلغاء الفائدة على المزارعين فى بنك التسليف الزراعى لتخفيف الأعباء على الفلاحين وتم ذلك فعلا فى 22 يوليو 1962 .
على الرغم من أنه المنفذ لقرارات التأميم التى أصدرها الرئيس جمال عبد الناصر عام 1961 ، بصفته وزير الإقتصاد فى تلك الفترة ، إلا أنه صرح فى يوليو 2009 أنه لم يكن مقتنعا بها ، قائلا: كيف نسلب ملكية الأشخاص لمشروعاتهم الخاصة ثم نحولها لملكية عامة تدار من خلال أهل الثقة لا الخبرة ؟ تلك كانت الأزمة ، ولكن هذا ما كلفه عبد الناصر بتنفيذه ، مشيرا إلى أن فكرة تأميم قناة السويس ظهرت فى عام 1956م لنفاجأ بعد أيام من قرار التأميم بتجميد أموال مصر فى بنوك فرنسا وإنجلترا ثم من بعدهما أمريكا ، لنواجه موقفا شديد التأزم كدنا نستدين فيه ، وكان من اللازم اتخاذ عدد من الإجراءات لمواجهة الأزمة ، من بينها وقف الإستيراد بالعملة الصعبة واستبدال الجنية المصرى بها والإعتماد على المساعدة السوفيتية لنا فى تمويل السد وشراء ما نحتاجه من سلاح ، وكان اقتراحى فرض ضريبة تصاعدية بدلا من التأميم .
.. أردت أن أسرد الفقرة التالية من حديث د. حسن عباس زكى لنعرف كيف كانت تؤخذ القرارات المصيرية للدولة وكيفية الحصول على البيانات !!
يوضح ذلك قائلا : فى صيف 1961 استدعانى الرئيس جمال عبد الناصر لاستراحة المعمورة ، ذهبت له فحدثنى عما نعانيه من نقص فى السيولة وتأثير ذلك على البدء فى بناء السد العالى ، ورغبته فى معاقبة الأجانب فى مصر جزاءا لهم على ما فعلته بنا دولهم ،واقترح أن نضع يدنا على ما يمتلكونه فى مصر ، ، وقتها كانتالوحدة مع سوريا لا تزال قائمة فحذرته من أن يفهم قراره بشكل خاطئ من قبل السوريين ، فاقترحت عليه سن قانون الضريبة المتصاعدة ، على سبيل المثال من يمتلك مليون جنية يدفع 60% ،ومن يمتلك مليونين يدفع ضريبة 70% وهكذا ، فأعرب عن موافقته وطلب منى وضع تصور كامل للموضوع وأن أمنحه ذلك التصور فى العاشرة من صباح اليوم التالى ، سهرت طوال الليل أكتب الفكرة وطريقة تنفيذها ، وفى الصباح ذهبت له فى الموعد فلم أجده وعلمت أنه فى فيلا المشير عبد الحكيم عامر فعرفت أنه غير رأيه .
ذهبت إليه هناك وكان معهما عزيز صدقى ، وبمجرد دخولى فوجئت بالمشير يقول لى :” إيه اللى عاوز تعمله ده ؟” فقلت له إننى سهرت للإنتهاء من القانون الذى طلبه منى الرئيس عبد الناصر وانتهيت من تفاصيله ، فقال لى إنس ما كتبته ، لقد سهرنا وفكرنا ولم يعجبنا ما اقترحته ، واستقررنا على التأميم الشامل للمصريين والأجانب ! فنظرت للرئيس مندهشا ، ويبدو أنه قرأ على وجهى عدم الإقتناع بالفكرة فقال لى :” معلش يا حسن بس لعلمك انت اللى حتنفذ القرار ” .
فهمت من الحديث أنه يمنعنى من تقديم استقالتى لو فكرت فيها ،نعم لم أكن مقتنعا بالقرار ولكن نفذته ووقعت كثير من التجاوزات عبر تطبيقه ، على سبيل المثال كان يأتينى رجال بسطاء يمتلكون ورشة صغيرة أو مصنعا لتعبئة الزجاجات ويعاملون على أنهم أصحاب ملايين ، وعرفت أن وزير التجارة قام بحصر الملاك من خلال “دليل التليفونات “!! دون أى تمييز بين وضعهم وما يملكونه .
وكان يرى أنه على الرغم من أن التأميم وفر للدولة أموالا طائلة إلا أن الضريبة التصاعدية كانت ستحافظ على أصول رأس المال وإدارته عن طريق أهل الخبرة لا أهل الثقة ، وما كانت شركات عملاقة فى تاريخ الإقتصاد المصرى قد خسرت مكانتها وانتاجها كما حدث ،وما كنا احتجنا لبيعها فيما عرف بالخصخصة التى خسرنا فيها الكثير ، فكما جاءت قرارات التأميم بلا تحضير للنتائج ، جاءت الخصخصة بلا حساب للقيمة بشكل صحيح .
توفى الإقتصادى القديرعام 2014 عن 97 سنة .