مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: لُعْبَة تفتيت “سُوريا المُوَحَّدة”… لتكون بالميليشيات “سوريا الحَارَات”!!

“الْحَارَةُ” لفظة شائعة في اللهجة السورية الدَّارجة؛ بل صارت علامة تسويق مرتهنة بالهوية الشَّامية الشعبوية؛ فترسخت دليلاً على الجودة ومنها ـ على سبيل المثال ـ “مطعم باب الحارة”؛ و”مشاوي الحارة” وكلها نماذج مسميات حققت صورة ذهنية دالة على التميز بنُكهة وجودة الطعام الشامي الذي يروق للكثيرين أن يلتهموه.
غير أن المثير في الأمر راهناً، والظالم لتلك الصورة أن “هُوية الحارة” السورية آخذة في التجسد بهذا النهج المشبوه سياسوياً؛ ليس على سبيل تعميم الجودة؛ وإنما ترسيخ دلالة الإسم ليُعَبِّر عن تحوّلِ المجتمع السوري من هوية “الدولة الوطنية الموحَّدة ” ليكون حارة متفتتة إلى زقاقات مُغْلَقة؛ كل زقاق له هوية معينة.
*****
ومن الواضح أن “سَرَطَان الإسلام السياسوي” المُستصنع منذ انتكاب المنطقة بوجود “حسن السَّاعاتي البنَّاء وجماعته ” مُريبة الهوية والمستهدف؛ ووفق سيناريوهات “الشرق الأوسط الجديد”… جرى ويجري تفتيت منظومة الدول الوطنية (العراق وليبيا والسودان واليمن وسوريا أنموذجاً).
وبسبب اهتزاز “منظومة الدولة الوطنية” في تلك البلدان؛ وإضعاف جيوشها بتحديات خارجية مفروضة عليها؛ أخذ نمط الدولة الموحدة فيها يهتز ويتخلخل؛ وبالتالي يتفتت نتيجة إضعاف هذه الجيوش كأداة حاكمة للأمن الوطني بها. وهي الظاهرة التي أفلتت منها الدولة المصرية الراسخة بجيشها الوطني؛ والذي جعل أولى أوَّليَّاته الحفاظ على الوطن؛ مهما كانت التكلفة ومهما كانت قوة المتربصات؛ وهذا ما نلمسه في المحيط الملتهب الحاف بها من كافة الجهات: الشرق والغرب والجنوب والشمال (حفظ الله مصر).
إذن فالأمر الحاكم هنا هو وحدة وصلابة وقوة رجال الجيش المصري في الأساس؛ عبر الثابت التاريخي العقيدي منذ أيام المصريين القدماء، بأن “مصر وطن واحد” متماسك لم يتفتت، ولم يتفرق ولم تنفصل تكويناته، ولم تتخل عن عقيدة “مصر الواحدة” منذ التشكل الأول للبلدان واستيطان البشر بها.
*****
لذلك فإن الرؤية الفاحصة لطبيعة المشكلة السورية الراهنة؛ ككل المُشكلات العراقية والليبية والسودانية واليمنية، تؤكد على وجود سببين بالأساس: الأول النزوع لتحويل الوطن الموحد إلى حارات؛ والثاني مسح وجود الجيش الوطني الواحد؛ واستخلاق البديل له باستيلاد ميليشيات وعصابات ومرتزقة؛ يكون مستهدفها السطو على الأوطان، ومسخ هويتها الموحدة بإحلال بدئلها المجسدة سياسوياً في نمط التفتيت بفعل القوة الميليشياوية؛ إذ القوةُ تَفْرِض الواقع وتحافظ عليه.
إن الظاهرة السياسوية الرديئة التي تقدمها “الحالة السورية” راهناً ترتبط بالنمط المستهدف تعميمه في المُسَمَّيات؛ والتي تُعَبِّرُ عن توحش “ظاهرة الميليشيات المختلقة” في الدولة السورية؛ والتي تعمقت منذ تَنَشُّط ما يُسمى ظاهرة “تشكيلات الإسلام السياسوي” بفعل فاعل؛ بدءاً باختلاق “دُمية القاعدة” وتدريبها في أفغانستان؛ واعتمادها سلاحاً لإنهاك الدولة السوفياتية القديمة؛ وكذلك عبر الأطوار المستولدة من رحمها كوليد غير شرعي لجماعة حسن الساعاتي البنَّاء بمتوهم انتاج “دولة الخلافة/المرشد”!!
وحين تحاول رصد تفاصيل الخريطة الميليشياوية المستولدة في سوريا؛ والمُعَبِّرة عن “نَهْجِ الْحَارَة” تأخذك الحيرة؛ وأحياناً يُصيبك العجز عن الرصد الثابت للتناسل المخيف لهذا الطور السرطاني الراهن؛ والمتوغل في الوطن السوري الواحد.
ونتيجة التحولات التي تطال هذه التكوينات الميليشياوية في الأرض السورية؛ لا يمكنك الاستقرار على خريطة واحدة وثابتة لها؛ إذا أنها عكس نظام الدولة تُعَبِّر جغرافيا عن مناطق نفوذ محدودة المجال؛ عكس جُغرافيا الدولة المتسعة ومحددة الخطوط.
*****
وبذلك فإن العقل الراصد والمفكك للظاهرة لا يجد إحصائية ثابتة لأسماء هذه الميليشيات؛ إذ أنها تكوينات طفيلوية متحولة؛ ومتفككة بفعل محركها الانتفاعي من مصادر رعايتها وتمويلها وتسليحها. ولعل الخطوط العامة التي ترد في مواقع شبكة الانترنيت تحدد بعض أسمائها.
وهنا نذكرها ـ على سبيل الرصد ـ لمن يشاء التعرف إلى خريطة هذه الميليشيات الساعية لتدمير الدولة الوطنية السورية؛ وهي تمارس إنهاك الجيش الرسمي السوري؛ كما حدث للجيوش العراقية والليبية واليمنية والسودانية؛ نتيجة الظروف المرتبطة ببدء تطبيق “سيناريو الخراب العربي”:
1. هيئة تحرير الشام: وهذا المُسمى المُضلِّل والمشبوه يدعو للتساؤل… “تحرير الشام” ممن؟ من الدولة الصهيونية المغتصبة… أم من النظام الوطني؟ لذلك فالتسمية تكشف مدى العَمَالة لهذه الميليشيات؛ وتوضح تأثيرات الفكر القُطْبِّي المتأخون، والمضاد لأنموذج الدولة وجيوشها الوطنية. فهذه الميليشيات السورية تأسست من اندماج عدة فصائل ميليشياتية مثل جبهة النصرة )المتأخونة المنشأ)/ أو جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين الزنكي (المتأخونة) والنشطة في حلب وإدلب. ولواء الحق (الميليشيا الداعشية)؛ وجيش السُّنة (المتأخون) كميليشيا مسلحة في حماة وإدلب وحمص، وجبهة أنصار الدين (الميليشيا الداعشية).
2. الجيش الوطني السوري: يسيطر على مناطق في شمال سوريا. وتسميته مخادعة إذ يسرقها من الجيش السوري الرسمي؛ ولكنه يتشكل من الميليشيات المدعومة من تركيا ويتشكل من فرقة السلطان مراد (المتأخونة) وفرقة الحمزة (الداعشية) والجبهة الشامية (المتأخونة)؛ وأحرار الشرقية: الميليشيا من دير الزور، ولواء المعتصم؛ وفرقة السلطان سليمان شاه في مناطق عفرين. وهذه الميليشيات تتلقى دعماً من الأغا العثمانللي أوردوغان؛ وتشارك في العمليات العسكرية ضد القوات الكردية وتنظيم داعش.
3. تنظيم الدولة الإسلامية (داعش): لا يزال له وجود في بعض المناطق النائية كمجموعات صغيرة منتشرة في مناطق نائية؛ ويضم ولاية الشام وولاية حلب وولاية حمص وولاية دمشق وولاية الحسكة. و”يعتمد على الهجمات المفاجئة والخلايا النائمة لتنفيذ عملياته”.
4. قوات سوريا الديمقراطية (قسد): تتكون من وحدات حماية الشعب؛ ووحدات حماية المرأة وجيش الثوار من تحالفات الفصائل العربية والكردية. وجبهة الأكراد المسلحة ولواء التحرير العربي المسلح وقوات الصناديد الفصيل العشائري من قبيلة شمر. ومجلس منبج العسكري الذي يضم مقاتلين من مدينة منبج. ومجلس دير الزور العسكري بمقاتلين من دير الزور. والمجلس العسكري السرياني الذي يضم مقاتلين من الطائفة السريانية.
ولا يخفى دلالة الدور الأميركي الداعم للعديد من الميليشيات وأبرزها (قسد) الجناح العسكري للأكراد في شمال وشرق سوريا بغرض محاربة ميليشيات (داعش)؛ ويكفي ما أعلنت عنه القيادة المركزية الأميركية من ضربات ضد مخازن أسلحة تابعة للميليشيات الإيرانية رداً على هجمات استهدفت القوات الأميركية.

5. الميليشيات المدعومة من إيران: وهي تدعم الحكومة السورية الرسمية وجيشها في مواجهة بقية الميليشيات لمنع إسقاط الدولة السورية وإنقاذها من التفكك؛ وهي تضم “حزب الله اللبناني” و”كتائب حزب الله” الميليشيا العراقية؛ و”كتائب سيد الشهداء” الميليشيا العراقية؛ و”حركة النجباء” الميليشيا العراقية؛ و”لواء فاطميون” الميليشيا الأفغانية و”لواء زينبيون” الميليشيا الباكستانية.

6. إن الأمر المرعب في (المسألة السورية) هو مسميات كمية الميليشيات التي تستهدف تنفيذ أجندات مموليها ولم ترد أسماؤها في الأسطر السابقة؛ ومنها: جيش العزة / جيش الأحرار/ جيش المجاهدين/جيش السنة /الجبهة الشامية /فيلق الشام /صقور الشام/فيلق الجولان /فيلق الرحمن/حركة نور الدين الزنكي/كتائب شمس الشمال/أجناد القوقاز/فرقة الحمزة /فرقة المعتصم /فرقة/السلطان مراد/أحرار الجزيرة /أحرار الشام/صقور الشام/قوات الصناصيد/لواء الحق /لواء السلاجقة/لواء شهداء الاسلام/ألوية الفرقان/ألوية أحفاد الرسول/ألوية فجر الحرية /ألوية صقور الشام/قوات الصناديد/جبهة الأكراد/جبهة بيت المقدس /جبهة أنصار الدين/جبهة غرباء الشام /جبهة “أحدٌ أحد”/جبهة تحرير الرقة /كتائب الفاروق/تجمع “فأستقم كما أُمرت”/الحزب الاسلامي التركستاني/المجلس العسكري السرياني؛ و..و…إلخ المزيد غير المرصود!
7. وما يدعو للاسترابة هو تلك المواقف المعلنة لرعاة الميليشيات من نوعية “الدولة الصهيونية” و”الدولة الإمبريالية الأميركية” و”الدولة الأوردوغانية العثمانلية”؛ وجميعها يحبذ ما تفعله الميليشيات فضلاً عن دعمها عتادياً ومالياً. والمريب هو قول نتنياهو: “الأسد يلعب بالنار”. ولعلها كانت الإشارة المُتَّفق عليها كما تذكر أجهزة الإعلام لإطلاق الميليشيات السورية الهجوم المُنسَّق ضد قوات الجيش السوري الرسمي في شمالي سوريا.
والمثير للتساؤل: لماذا تناست هذه الميليشيات مقولة الإرهابي الماسوني الكذوب “سيد قطب”؛ والتي تتداولها بسعادة مواقع المتأخونين وهي:” إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين إنما هي لقتلكم ولن تطلق طلقة واحدة على الصهاينة”؛ فلماذا لم نسمع أن هذه “الميليشيات الماسونية” جمعت عصاباتها وأسلحتها ومنها المتطورة، وتوجهت إلى الأرض الفلسطينية المغتصبة لتحريرها بأكذوبة جهادها العقيدي تحت ظلال سيوف الإسلام الذي تتاجر به!!
8. إن ما ينبغي الالتفات إليه هو ممارسة أجهزة الاعلام الداعمة للميليشيات استخدام الكثير من الاصطلاحات المضللة، مثل وصف أعمالها بأنها “ردع العدوان” وهي تمثل “فجر الحرية” و… و… إلخ من خطاب ساقط؛ يفضح مخططات هدم الدولة السورية الراسخة تاريخياً.
والطريف أن وسائل إعلام الميليشيات تبرر ما يلوكه “الأغا أردوغان” بأن توسيع المنطقة الآمنة هدفه:”احتضان أكبر عدد من السوريين الراغبين بالعودة إلى بلادهم من تركيا طوعياً”. وفي هذا القول تحايلٌ كبير بالتعمية على سبب خروج السوريين من بلادهم؛ والذي كان نتيجة الفوضى المُسلحة للميليشيات في المناطق السكنية، واعتبار المواطنين العاديين سواتر للميليشيات وهم يتربصون بالجيش السوري الرسمي؛ ونُذكِّر كذلك بحالة “حماس المتأخونة” وسكان غزة تطبيقاً!!

9. إن المنهجية التحليلية لظاهرة الميليشيات في سورية تفترض ذكر التصور المتوقع في لعبة السيناريوهات السياسوية؛ مثل القول بأنه لا قدر الله إذا تمكنت تلك الميليشيات من السيطرة على مجمل الوضع السوري فماذا سيحدث: سينتقل القتال الدموي في غياب جيش الدولة إلى كل الحارات السورية؛ بغية جمع المغانم، وإعادة تطبيق “أنشطة تجارة النخاسة” و”أسواق العبيد” لبيع الأسرى والسبايا؛ وتبادل ما تسطو عليه الميليشيات بوضع اليد؛ فاللصوص دوماً يقتتلون ليفوزوا بالمغانم… (حمى الله سوريا الحبيبة) من هذا التصور.

10. إن ما يدعو للتأمل هو أن الدولة السورية على الرغم من التحديات الكبيرة الموصوفة بالحرب بين المدن لا تزال تسيطر على مساحة من أرضها تبلغ 88% فيما الميليشيات الخارجة قفزت خلال الفترة من 29 نوفمبر إلى 5 ديسمبر 2024 بسيطرتها على حوالي 22% من مساحة سوريا بعد أن كانت تسيطر على 11% فقط قبل بدء العمليات العسكرية الأخيرة. غير أن ذلك التقدم الذي حققته الميليشيات، سيدفع الجيش السوري الرسمي لمحاولة احتواء ما حدث بتعزيز قواته بدعم الأشقاء الأصدقاء الحلفاء لكي يسترد ما تمكنت الميليشيات من الزحف إليه.

والملفت للانتباه هي حالة الانتشاء تلك، التي تبدو عليها “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” تجاه تطورات المسألة السورية في أرض الواقع؛ إذ أخذت الجماعة ـ من ينتمي ومن يختبئ ـ تُرحِّب ترحيباً لا حدود له بما تفعله وتحققه ـ مؤقتاً ـ كل الميليشيات المضادة للدولة السورية؛ وتدعم هجوم الميليشيات على الجيش السوري؛ على سبيل مُخادعة أنفسهم بأمنياتهم المريضة بأن تنتشر الظاهرة في دول أخرى يتمنون سقوطها تحت هيمنتهم؛ بعد أن أفسد الشعب المصري وجيشه العظيم مخطط تمكن “الجماعة الصهيوماسونية” من رئاسة “مصر أم الدنيا”.
*****
والسؤال: هل يمكن أن يتخيل شخص عاقل أن يترسخ نمط إعادة بناء الدول بهذه الطريقة الفاسدة؛ والتي تتسيد الميليشيات المتصارعة الأمور فيها؛ فتقوم بتجزئة “الوطن الواحد” إلى “حارات”؛ وكل حارة لها هُويتها وميليشياتها المنفلتة، وفق ما نشاهده في الأحداث بسوريا؛ والتي يُقاتل جيْشُها الرسمي لتبقى كما كانت الدولة السورية هي”سوريا الموحدة”؛ وهم يحاولون تفتيتها بتوظيف “الميليشيات العميلة”… لتكون “سوريا الحارات”. وقد خَسِئُوا لأنهم يتآمرون بالمنطق المخالف لطبيعة الأوطان!!

زر الذهاب إلى الأعلى