مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: فنجان قهوة مع القس إكرام

التقينا بدون موعد أو ترتيب مسبق بعد انتهاء الصالون الشهري للمستشار عماد زكريا جناب القس إكرام سمير راعي الكنيسة الإنجيلية في القوصية وصديقي المبدع الراقي الجميل نادر شفيق وأنا وكعادة القس إكرام ينتهز أي فرصة للحوار والمناقشة ليتحدث في موضوعات متعددة وتحدثنا طويلا عن كتاباتي ومقالاتي وأسعدني برأيه وثنائه على ما أكتب وطال الوقت وتنوعت الأحاديث والموضوعات واقترح صديقي نادر شفيق على القس إكرام أن يعزمنا على فنجان من القهوة في شقته.

تربطني علاقة صداقة راقية وجميلة بالقس إكرام وكثيرا ما نلتقي في المناسبات العامة والندوات ونتبادل أطراف الحديث وأستمتع بالحديث معه فهو على قدر كبير من الثقافة والمعرفة ومتابع جيد لكل الأحداث التي تجري على الساحة المحلية والعالمية ويحمل روحا شابة جميلة منطلقة سمحة بسيطة متواضعة برقي وتقدير واحترام بعيد عن التكلف والحواجز التقليدية بينه وبين الناس.

أول ما لفت انتباهي حينما دخلنا إلى شقة القس إكرام المكتبة الكبيرة والجميلة التي تقف شامخة مزهوة بما تحمله من كنوز الثقافة والمعارف المختلفة فتح لنا القس إكرام أبواب المكتبة وبدأ يستعرض أمامنا الكتب المتنوعة في كل العلوم والثقافات بما فيها كتب العلوم والثقافة الإسلامية.  أهم ما لفت نظري في المكتبة شياكتها ونظافتها وترتيب الكتب الجميل والأنيق بما يعكس الاهتمام الشديد من القس إكرام بكتبه ومكتبته.

 أخذت أنا وصديقي نادر نتفقد العناوين المختلفة من الكتب المتنوعة و يقف بجوارنا القس اكرام يعرفنا على ما تحتويه مكتبته بكل حب وود وكأنه يعرفنا على أفراد أسرته تصورنا أن المكتبة هي ذلك الجناح الموجود في صالة الاستقبال فقط ولكن أخذنا القس إكرام إلى غرفة مكتبه الذي يجلس فيه ليكتب عظته الأسبوعية ووجدنا مكتبة أخرى فاخرة أشد جمالا وتألقا من المكتبة السابقة مكتبة تملأ جوانب الغرفة وتتزين بما تحمله من كتب قيمة ولا تقل في جمالها وتنسيقها عن المكتبة السابقة تحدثنا كثيرا ونحن نتصفح عناوين الكتب المختلفة ولم نشعر بالوقت ونحن وسط هذا العالم من الكتب الجميلة الراقية .

 اصطحبنا القس إكرام إلى مطبخه الأنيق لكي نقوم بعمل القهوة معا ونحن نتبادل أطراف الحديث.

أخذ كل منا قهوته وانتقلنا إلى صالة البيت الرئيسية

جلست أنا وصديقي نادر والقس إكرام وبدأ الحوار مع فناجين القهوة

سألته عن دراسته وتخصصه الديني واعترفت له بأنني أجهل الكثير عن تخصصات العلوم الدينية المسيحية وأجابني بأنه خريج كلية اللاهوت الإنجيلي المسيحي وحدثني عن نظام الدراسة بالكلية بأنه أربع سنوات يدرس فيهم الطالب كل أنواع المعارف والعلوم والثقافات المختلفة لكي يكون مهيئا لمجابهة كل القضايا الفكرية والدينية التي يواجهها في المجتمع الكنسي كما أكد على أن الدراسة في كلية اللاهوت الإنجيلي تعتمد في مجملها على إعمال العقل والفكر والانفتاح على كل الثقافات المختلفة وتعتمد في جزء كبير منها على النقد والبحث والتحليل حتى أن مناهج الكلية تعلم فن النقد وأهمها النقد الذاتي وإعمال العقل على أساس منهج علمي نقدي ومن جوانب الدراسة في الكلية أيضا أن يتم تكليف الطالب بعمل أبحاث أسبوعية عن قضايا مختلفة وتشكل الكلية لجنة علمية لمناقشة الطالب في أجزاء البحث المكلف به وتعتمد فيه الأمانة العلمية الدقيقة في البحث والنقل عن المصادر المختلفة . كما أشار إلى أن من يقومون بالتدريس في الكلية أساتذة ودكاترة من الجامعة الأمريكية وأضاف بأن عدد الدفعة لا يزيد عن عشرة طلاب.

 ولما سألته عن نصيب الأدب والفنون في برنامج الدراسة في كلية اللاهوت الإنجيلي أجاب قائلا بأن الكلية تقوم بتنظيم وعمل ندوات ثقافية داخل الكلية تستضيف فيها كبار الكتاب والعلماء والمفكرين في شتى أنواع المعارف والفنون والثقافات المختلفة حتى أنها تستضيف بعض المفكرين الإسلاميين لعرض وشرح بعض القضايا المختلفة.

 ولا تقتصر الدراسة في الكلية على العلوم الأكاديمية فقط بل تعتمد الكلية على تدريس اللغات الأجنبية المختلفة بفنونها وآدابها لطلاب الكلية وسأله صديقي المفكر والمثقف الكبير نادر شفيق عن نصيب فنون الإلقاء والخطابة في الكلية واستمتعت بإجابة القس إكرام حينما تحدث قائلا إن فنون المسرح وفنون الخطابة والإلقاء جزء أساسي من برنامج الدراسة في الكلية حيث يقوم على تدريس فنون الخطابة والألقاء وتعليم لغة الجسد أساتذة متخصصون في هذه الفنون ويتم التدريب العملي على تطبيق هذه الفنون أولا بأول من خلال تكليف الطالب بعمل عظات أسبوعية يطبق فيها ما درسه من خلال هذه الفنون كما يتم تشكيل لجان من أطباء في علم النفس ورجال أعمال وأساتذة في الجامعات وشخصيات عامة لمناقشة الطلاب في الكلية عن أسباب اختيارهم للكلية ومشروعاتهم عند التخرج وذلك حتى يكون خريج الكلية اللاهوتية الإنجيلية متمكنا وعارفا بكل أنواع العلوم والمعارف والثقافات وأنواع الخطابات المختلفة .

سألته كم تستغرق من الوقت في تجهيز العظة الأسبوعية أجابني قائلا تجهيز العظة الأسبوعية يستغرق 16 ساعة ما بين قراءات مختلفة وصياغة وفي يوم إلقاء العظة أقوم بمراجعتها صباحا عدة مرات

لا يمكن أن أترك هذه الفرصة دون أن أسمع راي القس إكرام في مسألة تجديد الخطاب الديني واشترك معي صديقي نادر شفيق في هذا الطرح أيضا وعلى ذلك أكد القس إكرام على ضرورة تجديد الخطاب الديني في المؤسسات الدينية سواء كانت إسلامية أومسيحية نظرا لتغير ظروف العصر من لغة وفكر وثقافات وأفكار جديدة لدى الشباب وأضاف بأن لغة وأسلوب وفكر الخطاب في الكنيسة يجب أن يتطور عن الماضي بحكم تطور العصر وهذا ما يجب أن تنتبه إليه الكنيسة جيدا حتى تستطيع أن تواصل دورها في أداء رسالتها الروحية لدى الشباب وأنه إذا لم تفكر الكنيسة في سبق الشباب والتقدم عليهم فقد يأتي الوقت ويتقدم الشباب على الكنيسة ويسبقونها كما أكد القس إكرام على ضرورة أن تواكب المؤسسات الدينية هذا التقدم الكبير والتكنولوجيا العالمية والانفتاح على العالم حتى تكون المؤسسات الدينية متوائمة مع ذلك الفكر الجديد ولا تكون المؤسسات الدينية منغلقة على نفسها ومتأخرة عن اللحاق بركب الثقافات العالمية الجديدة وعن ضرورة إصلاح المؤسسات الدينية أجاب القس إكرام بأن الظروف التي يمر بها المجتمع والعالم تفرض علينا سرعة إصلاح المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية وإعادة هيكلتها من جديد حتى تستطيع التمكن من مواصلة أداء رسالتها وُتعمل التغيير في الشباب والمجتمع .

وسألته لماذا لا تحاول بناء كنيسة جديدة غير كنيستكم الصغيرة القديمة والأيلة للسقوط والتي لا تتسع غالبا لأبنائها أجاب بأن الكنيسة الإنجيلية في القوصية تمتلك مساحة أرض وقام القس إكرام بتقديم طلب لنقل الشعائر الدينية منذ عام 2012 ولم تتم الموافقة على طلبه حتى الآن على الرغم من أنه أخذ وعودا كثيرة بتنفيذ طلبه وحتى الآن مازال ينتظر الموافقة على طلبه المقدم منذ عام 2012 مع أن هناك كنائس كثيرة بنيت في أماكن كثيرة في القوصية وحصلت على الموافقات اللازمة في وقت أسرع من ذلك بكثير مع أن الكنيسة الإنجيلية هي الوحيدة بالقوصية ولا توجد كنيسة أخرى بديلة وأهم ما أزعجني عند رؤية مبنى الكنيسة الإنجيلية الحالي والأيل للسقوط هو الخوف على أرواح المصلين وسكان المنطقة وعلى ذلك نتمنى أن تستجيب الجهات المختصة لهذا النداء وتعمل على سرعة إنهاء الموافقات اللازمة لنقل الكنيسة إلى مكان آخر

مضى الوقت سريعا والموضوعات والأحاديث الشيقة لا تريد أن تنتهي بيني وبين صديقي المفكر والمبدع الجميل نادر شفيق في صحبة وضيافة القس إكرام سمير راعي الكنيسة الإنجيلية في القوصية

وتركناه حتى يستعد لممارسة رياضة الجري فجرا ووعدنا بتكرار اللقاء على فنجان آخر من القهوة

زر الذهاب إلى الأعلى