السيد خلاف يكتب : الحياد والبارود !
القرار الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي المتمثلة في السعودية وقطر والإمارات والبحرين،والذي أعلنت فيه التزامها الكامل بالحياد حال اندلاع أي تصعيد عسكري
أو حرب بين واشنطن وطهران قرار خطير وله أبعاد استراتيجية كبيرة ومهمة بشأن إعادة صياغة العلاقات بين واشنطن ودول الخليج بصفة خاصة ودول المنطقة عامه.
هذه الخطوة”غير المسبوقة” تعد نقلة نوعية بشأن تعاطي واشنطن مع الأحداث التي تشهدها المنطقة على خلفية تعدد جبهات الحرب في غزة والضفة ولبنان،وقرب مواجهة مرتقبة بين إسرائيل وأمريكا مع إيران،ولن تكون سوريا والعراق بمعزل عنها.
ومع تهديدات إسرائيل بالتحضير لضرب إيران ردا على هجماتها الأخيرة على الإحتلال،وجاهزية إيران للرد وتدخل واشنطن المباشر في المواجهة،حفاظا على أمن إسرائيل تصبح القواعد الأمريكية طرفا مباشرا في الحرب،ماقد يدفع إيران لتوجيه ضربات قاسية إلى الدول الحاضنة للقواعد،وتصبح دول الخليج متورطة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل .
ورغم إن القرار الخليجي جاء رافضا السماح للقوات الأمريكية باستخدام قواعدها العسكرية في أي هجوم على الأراضي الإيرانية ، إلا أنه وبكل المقاييس يعيد صياغة العلاقات الدولية أو القوى الكبرى مع الخليج،ويمهد إلى تحالفات بديلة مع دول أخرى وقوى دولية كبرى تتأهب لهذه اللحظة،ولاتدور في الفلك الأمريكي ، وغير داعمة على طول الخط للكيان الصهيوني بشأن مخططات تعمل واشنطن وتل أبيب على تنفيذها برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وتحقيق الحلم اليهودي بقيام دولة “إسرائيل الكبرى”ووفقا لما رسمه بنيامين نتنياهورئيس الوزراء الإسرائيلي في الأمم المتحدة .
الموقف الخليجي يأتي في وقت حساس بعد إعلان بعض الدول الخليجية عن انسحابها من التعاملات النفطية بالدولار (إلغاء نظام البترودولار)، مما يشير إلى تغيير جذري في توازن القوى الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
وبرأيي أن هذا القرار يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة، كونه يأتي في ظل مساعي دول الخليج لطمأنة إيران بشأن حيادها في الصراع ” الإيراني
-الإسرائيلي”، و تجنب أن تصبح أراضيها أهدافًا لأي رد إيراني محتمل.
التصعيد بين طهران وتل أبيب بلغ ذروته مؤخرًا، مما زاد من احتمالية انجرار المنطقة إلى صراع أوسع، وقد نفت إيران نيتها مهاجمة المنشآت الخليجية بشكل مباشر، لكنها لم تستبعد اتخاذ إجراءات ضد “أنصار إسرائيل” في حال استمرار التصعيد.
وإذا كانت الرسائل الخليجية الداعية للتهدئة، فإن الخطر لا يزال قائمًا، إذ تحتفظ إيران بأوراق ضغط قوية، مثل التهديد بتعطيل الملاحة في مضيق هرمز، أو استهداف منشآت نفطية حيوية، كما حدث في الهجوم على منشأة بقيق السعودية في 2019، والذي تسبب في توقف 5% من الإمدادات النفطية العالمية مؤقتًا.
وبرأيي المتواضع فإن القرار يضع القوات الأمريكية في موقف حرج، إذ تعتمد واشنطن بشكل كبير على القواعد العسكرية في المنطقة، خاصة مع وجود قواعد رئيسية في قطر والإمارات، وفي حال رفض الخليج السماح باستخدام هذه القواعد، قد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحديات لوجستية صعبة إذا ما قررت مواجهة عسكرية مع إيران.
وبنفس الوقت تضغط واشنطن على طهران باتجاهين أحدهما الملف النووي والتلويح الإسرائيلي بضرب المفاعلات وخطوط النفط ،أو مسار سلمي وضعت واشنطن شروطه أمام ساسة إيران،و تتمحور حول تخلي طهران عن أذرعها وميليشياتها بالعراق ولبنان واليمن، وعن تصدير المسيرات الى روسيا، وتتخلي نهائيا عن دعم حماس، وإلا فهي ستواجه ضربات تفضي لتقسيمها ،وتضرب النفط والمفاعل النووي” وفوق كل ذلك الجائزة الكبرى باغتيال المرشد الإيراني.
ويبدو أن دول الخليج تدرك أهمية الحفاظ على التوازن الدقيق في المنطقة،حيث تجددت النقاشات حول إمكانية إنشاء قوات عربية مشتركة، وهو المقترح الذي أعيد طرحه مجددًاعلى طاولة مجلس التعاون بعد تعثره في 2015 ،
وهذا التوجه قد يكون محاولة لتعزيز القدرة الدفاعية الذاتية لدول الخليج في مواجهة أي تهديدات خارجية، دون الاعتماد الكلي على الدعم الأمريكي.
وأخيرا فإن التطورات الجارية على مسرح العمليات العسكرية والسياسية تفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية ، وهل يمكن أن تتجه دول الخليج للبحث عن شركاء جدد يوفرون لها الحماية ويدعمون استقرارها، أم ستستمر في التمسك بتحالفها مع واشنطن،وهل ستنجح دول الخليج في فرض إرادتها على الولايات المتحدة وإبقاء أراضيها خارج دائرة الصراع، أم أن الضغوط الأمريكية قد تعيد الأمورإلى نقطة البداية وتجعل المنطقة في مرمى النيران مرة أخرى؟