محمد أمين المصري يكتب : رسائل نيتانياهو الفاشلة
لم يترك صديق إلا وعاداه، حتى أقرب صديق أجنبي له وهو الرئيس الأمريكي جو بايدن قرر تركه وحيدا والابتعاد عنه، لدرجة أنه قرر المضي في إتمام اتفاق وقف اطلاق في غزة دون التشاور مع إسرائيل..هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أصبح منبوذا حتى داخل إسرائيل، فالمظاهرات لم تتوقف منذ ليلة الأحد الماضي في كافة البلدات مطالبة باستقالة حكومته وتقديمه إلى محاكمة عاجلة ليس على اتهامات بالفساد هذه المرة وهي كثيرة، وإنما بسبب تقاعسه عن إعادة المحتجزين لدى حركة حماس، وأخرهم الجثث الست الذي أعيدت جثامينهم مما أثار موجة غضب عارمة داخل إسرائيل وأمريكا.
نيتانياهو لم يأخذ هذه المعارضة مأخذ الجد سواء المعارضة الداخلية والخارجية لسياساته الشيطانية وحرب الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فقرر الحديث إلى الصحفيين ليبث سمومه وتوجيهها إلى الداخل والخارج، فخصومه السياسيين نالهم نصيبا كبيرا من سهامه في هذا الخطاب، ولم يترك واشنطن في حالها فأصيبت بسهام هي الأخرى، حتى مصر لم تسلم من هجماته السخيفة رغم مجهودها الضخم لإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه في قطاع غزة وتجنيب المنطقة حربا إقليمية في في غنى عنها ولا أحد يريدها سوى نيتانياهو.
كلمات نيتانياهو في المؤتمر الصحفي وصفت بأنها نارية، وخصص جزءا منها للحديث عن محور صلاح الدين “فيلادلفيا” بين غزة ومصر. نيتانياهو كرس حديثه في البداية للنيل من مسئولي المؤسسة العسكرية في إسرائيل ومنهم وزير الدفاع يوآف جالانت وغيره “أولئك الذين يعدون أنفسهم خبراء في الأمن ويتحدثون بصلف عن أن محور فيلادلفيا ليس ضرورة أمنية”. ربما تفلسف رئيس الوزراء الإسرائيلي وتعمد في المؤتمر الصحفي أن يعطي الجميع درسا في التاريخ، فعدد إخفاقات الجيش “الذين قالوا إن الانسحاب من لبنان سيحقق الأمن لشمال إسرائيل جاءهم هجوم حزب الله في سنة 2006 ليثبت خطأهم.. كما أن الذين قالوا إن الانسحاب من غزة سيأتي بالأمن وجدوا أنفسهم الآن أمام كارثة 7 أكتوبر.. في حين أن الذين قالوا إن اتفاقات أوسلو ستحقق السلام وجدوا أن هذه الاتفاقيات أتت بالإرهاب”، ولعل الوصف الأخير لا ينطبق سوى على نيتانياهو حيث تعامى عن رؤية نفسه في وجوه الآخرين أو مرآته.
كلمات نيتانياهو طالت فيما طالت جو بايدن كما أسلفنا خاصة وأن الرئيس الأمريكي،كان قد أعلن قبل المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بساعات قليلة بأن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل بات قريبا جدا. وقال بايدن “رئيس الحكومة الإسرائيلية لا يفعل ما يكفي من أجل التوصل إلى ذلك”. فما كان من نيتانياهو إلى ورد بعنف على بايدن “لم اسمع ما يقوله بايدن”، فيما أشاد بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ديفيد كوهين وغيرهم من المسؤلين الأمريكيين الذين أشادوا به على ما أبداه من مواقف إيجابية في المفاوضات، على حد زعمه.
من المؤكد أن نيتانياهو أراد إفشال المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في غزة، من خلال شروطه، بما في ذلك إصراره على بقاء القوات الإسرائيلية في محور صلاح الدين “فيلادلفيا”، وذلك ضد رغبة مصر التي تتمسك مصر برفض هذه المسألة وهذا من حقها وفقا لاتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل. من كشف ألاعيب نيتانياهو هم الإسرائيليين أنفسهم ولسان حالهم يقول ” نيتانياهو استهدف بخطابه إجهاض مقترح بايدن، على طريقة الحرب الاستباقية. فقبل أن يهاجمه بايدن ومبعوثيه على إفشال الصفقة بسبب موقفه من محور فيلادلفيا، شن هو الهجوم الاستباقي ضد من يستخف بأهمية هذا المحور في الحرب مع حماس. وأراد رئيس الوزراء الإسرائيلي الالتفاف على رأي خبرائه العسكريين بعدم أهمية محور صلاح الدين وقال “السيطرة على محور فيلادلفيا تضمن عدم تهريب المخطوفين إلى خارج غزة..محور الشر يحتاج إلى محور فيلادلفيا، ولهذا السبب يجب علينا السيطرة عليه”. ولم يراع نيتانياهو شروط اتفاقية السلام الموقعة مع مصر في هذا الخطاب، الأمر الذي دفع بالخارجية المصرية للرد بشكل صارم ضد ما جاء بخطابه السخيف، وتحميله مسئولية تورط المنطقة في حرب هي في غنى عنها، فمصر لم تصبر على تصريحات نيتانياهو بشأن محور صلاح الدين وتلميحات بأن الأسلحة تدخل عبر الحدود المصرية إلى قطاع غزة، فكان الرد الحاسم والحاد على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ، وأعربت وزارة الخارجية المصرية عن رفضها التام لما أدلى به نيتانياهو ومحاولته الزج باسم مصر لـ”تشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي”، وعرقلة التوصل لصفقة حول وقف إطلاق النار في غزة وتبادل المحتجزين. وحملت مصر الحكومة الإسرائيلية عواقب إطلاق مثل تلك التصريحات التي تزيد من تأزيم الموقف، وتستهدف تبرير السياسات العدوانية والتحريضية التي تؤدي لمزيد من التصعيد في المنطقة.
يبدو أن نيتانياهو يشعر بقرب أجله السياسي، فيحاول ضرب الأسافين داخليا بين المواطنين والمؤسسة الأمنية التي يتهمها بالتقاعس عن القيام بدورها في تحرير المحتجزين لدي حماس وعدم القضاء على الحركة رغم مرور نحو عام من الحرب الشاملة على القطاع، ولكن لحظه السيئ يشعر الإسرائيليون بفشل نيتانياهو في توجيه الحكومة ورضوخه التام للمتشددين فيها دون أي اعتبار لعائلات المحتجزين ومطالبتهم بتحريرهم أحياء وليس أمواتا، فهم لا يريدون تكرار النسخة الأخيرة من عودة المحتجزين جثثا هامدة.