مقالات الرأى

حازم البهواشي: أن تحج مخالفًا !!

لعله لم يُتَوَفَّ من الحُجَّاج عددٌ خلال السنوات السابقة كما حدث هذا العام، فضلًا عن أولئك الذين تعرضوا للضياع والفقد، ومعظم هؤلاء من الحاصلين على تأشيرات الزيارة، أو أولئك الذين يودون أداء الفريضة بأي طريقة غير رسمية. وقد أشار موقع (فرانس 24) إلى أن عدد الوفيات بين الحجيج وصل _ حتى كتابة هذه السطور _ إلى (922) حاجًّا، معظمهم من المصريين (600 على الأقل)، وقد تلقى مسؤولون مصريون في السعودية (1400) بلاغ عن مفقودين، وهذا العدد يشمل عدد الوفيات المذكور سابقًا، وجميع حالات الوفاة ناجمة عن الحر؛ إذ وصلت درجة الحرارة في مكة مطلع الأسبوع إلى نحو (52) درجة!!

أعلم مدى اشتياق المصريين لحج بيت الله، ولضيق ذات اليد يلجأون إلى أي طريق يدفعون من خلاله ما جمعوه من مال لأداء الفريضة، والشوق مشروع وتعلق القلب مشروع، وتمني الموت في الأراضي المقدسة مشروع، لكن حفظ النفس واجب، والحفاظ على الكرامة واجب، ومحاسبة شركات السياحة التي غررت بكثيرين أيضًا واجب!!

لا لوم في رأيي على المملكة العربية السعودية التي تبذل جهودًا مضنية لخدمة ضيوف الرحمن، إن هي وضعتْ إجراءاتٍ تنظيميةً تسهل وتيسر للناس أداء المناسك، وليس في ذلك صدٌّ عن بيت الله وإلا لحَجَّ أهلُ مكةَ كلَّ عام ومِن بعدهم أهلُ السعودية والمقيمون فيها وتعذر الحَجُّ على غيرهم!! لكني ألوم أن يُروَّع من دخل مكة _ ومكة كلها حرم _، امنعوا قبل الدخول، وهذا إجراء تنظيمي لا لوم عليكم فيه.

ولعله يمكن أن تكون هناك بعض الأفكار التي تيسر على مشتاقي أداء الفريضة ممن لا يملكون من المال إلا القليل، فمثلًا: دعوات خادم الحرمين الشريفين ينبغي ألا تقتصر على فئة بعينها يذهب معظمهم كل عام، بل يُختار فيها من كل فئات المجتمع الكادحة مثل الموظفين وفق آلية معينة، أرجو ألا يدخلها المحسوبية والرشاوى!! وكذلك ليس هناك مانع من أنّ الذي يؤدي الفريضة، لا يؤديها مرة أخرى إلا بعد مرور خمس سنوات مثلًا؛ ليُفسح المجال لغيره، وأيضًا الشركات التي تستعين بالعلماء لخدمة عملائها، ينبغي ألا تقتصر على عالِمٍ واحدٍ كل عام، فهذا يعطي الفرصة لتعدد من يؤدي الفريضة. أما من أكرمه الله بأداء الفريضة مرة، فإذا أراد تكرارها بعد السنوات المحددة، فلتكن المبالغ المالية المُحصلة منه أكثر من غيره، كدعمٍ للفئات الأقل قدرةً على دفع التكاليف، من خلال صندوقٍ يدفع عنهم بعض التكاليف، علمًا بأن المملكة العربية السعودية _ مشكورةً _ تُعطي تأشيرة الحج والعمرة الأولى لأي مسلم على وجه الأرض مجانًا.

الحج مشقة جسدية كبيرة يُعاني منها الشباب، فما بالنا بكبار السن؟! الحج مشقة وإن كنتَ قد خرجتَ نظاميًّا، فما بالك إن كنتَ تُضطر للمشي بضعةَ كيلو مترات أو أكثر في شمسٍ حارقة ودرجاتِ حرارةٍ مرتفعة؟! ولعل مِن بين أولئك مَن أنعم الله عليه وأدى الفريضة سابقًا، فلماذا يُعرض نفسه لهذه التجربة القاسية التي قد تكلفه حياته؟!

نسيتُ أن أقول لكم ما تعلمونه جيدًا ويعلمه صغاركم وهو أن الحَجَّ لمن استطاع إليه سبيلًا، وأن الله لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، وأن حفظ الكرامة الإنسانية أمرٌ ينبغي ألا نستهين به!!

زر الذهاب إلى الأعلى