محمد محمود عيسى يكتب : حكومة الكلمات المتقاطعة

من يتأمل قرارات الحكومة ويفكر بها يجد نفسه وكأنه يقرأ ويفكر في باب الكلمات المتقاطعة والذي كان ينشر في الصحف اليومية وله عشاقه ومن يبحثون عنه وكنت أرى بعضا من هؤلاء وهم يمسكون الصحيفة الورقية بشغف وحب شديد ويبحثون عن الكلمات المتقاطعة ويمسك الواحد منهم قلمه ويبدأ في حل هذه الكلمات المتقاطعة باحثا عن حروف اسم مطرب تتقاطع حروفه مع اسم لاعب كرة قدم تتقاطع حروفه مع طعام مصري مشهور تتقاطع حروفه مع مدينة مصرية قديمة وهكذا إلى أن تنتهي من حل وكتابة كل الكلمات المتقاطعة مكونا كلمات صحيحة ذات معنى ومفهومة مختلفة ومتنوعة وفي مجالات كثيرة .
لا أدري لماذا تذكرت الكلمات المتقاطعة وأنا أقرأ قرارات الحكومة ومنذ شهور طويلة فهي قرارات متقاطعة مثل الكلمات المتقاطعة تماما ولكن ما يميز الكلمات المتقاطعة عن القرارات الحكومية هو أنك في الكلمات المتقاطعة تصل في نهايتها إلى فهم ومعنى الكلمات أما في القرارات الحكومية فلا تصل في نهايتها إلى حلول أو حتى فهم الهدف منها ولا حتى تفهم طريقة وأسباب اتخاذ هذه القرارات مع توقيتها المفاجئ وسرعة صدورها ولا حتى حينما تنظر في وجوه رئيس الوزراء والوزراء في المؤتمرات الصحفية تشعر وكأنهم في حالة من العجز وقلة الحيلة وانعدام البدائل الأخرى لإدارة الأزمات والرضا والاستسلام للواقع والوضع الراهن
وإذا نظرنا إلى نكسة 6 مارس موعد اتخاذ قرار التعويم أو تخفيض قيمة العملة الأخير نجد أن الدول التي تقوم بتخفيض قيمة عملتها هي الدول التي يكون ميزان مدفوعاتها الصادرات فيه أكبر من الواردات مثل الصين والهند وروسيا وكوريا الجنوبية أما حينما يكون ميزان مدفوعاتك وارداتك ضعف صادراتك مرة ونصف وتقوم بتخفيض العملة فأنت هنا تدخل في مشاكل وأزمات اقتصادية كبيرة مثل انفلات الأسعار والدخول في ضغوط اقتصادية ضخمة وكبيرة وذلك لأن الحكومة اتخذت القرار الخطأ في التوقيت الخطأ حتى مع وعود صاحب ومتخذ قرار التعويم المصرفي الكبير الذي أكد أنه يملك الأدوات التي تمكنه من السيطرة على الأسعار والأسواق ولكنه بعد شهور قليلة خرجت الأمور عن السيطرة وقضى على السوق السوداء لتجارة العملة وقضى معها على أربعين في المئة من الشعب المصري وكان من الواضح أن قرار التعويم هو نتاج التعليمات والأوامر المشددة من صندوق النكد الدولي والذي ترتب على الانصياع لقراراته وتنفيذ أوامره أن الحكومة استهلكت الدفعة الأولى من صفقة رأس الحكمة في الافراجات الجمركية عن السلع والبضائع التي كانت مكدسة في الموانئ ولم تستفد الحكومة منها شيء لأنها وصلت على سعر 30،90 وتم الإفراج عنها من الموانئ على سعر الدولار بعد التعويم على سعر 49،60 كما ترتب أيضا على قرار التعويم الخطأ في التوقيت الخطأ أن تعثرت الوزارات في تسديد ديونها فنجد أن وزارة مثل وزارة الكهرباء كانت ديونها محسوبة على أساس سعر الدولار 30،90 نجد أنها بعد التعويم أصبحت مطالبة بتسديد ديونها على سعر 47،92 يعني مرة ونصف قيمة الدين القديم ومن أين تأتي وزارة الكهرباء بموارد لتسديد هذه الديون والفارق الذي حدث في الزيادة لا يوجد سوى الحل السهل عند الحكومة زيادة أسعار الكهرباء وتحميل المواطن نتائج السياسات المالية الخاطئة وكذلك وزارة التموين التي كانت تستورد القمح والأرز والزيوت على سعر الدولار 30،90 وارتفع السعر ووصل إلى 47،5 فأصبح تعويض الفارق في الأسعار على حساب رفع الدعم وزيادة الأسعار وهكذا دخلنا في دائرة من الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي انعكس أثرها على المواطن وأصبحت تشكل عبئا اقتصاديا ومعيشيا كبيرا
لكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا أصر صندوق النكد والفقر الدولي على تخفيض قيمة العملة أو التعويم؟ كان من أهم الشروط التي طالب بها الصندوق وأصر عليها تخفيض قيمة الجنية المصري وذلك لكي يخفض من قيمة الشركات والأصول المصرية وحينما تتخارج الحكومة من هذه المشاريع والشركات يضمن وجود المستثمر أو المشتري أو بالاتفاق والترتيب مع الكيانات الاقتصادية المتقدمة للشراء ويحقق الصندوق أكثر من مكسب ضمان أقساطه وامواله وتخريب الاقتصاد الوطني والقضاء عليه وإفشال كل مشاريع التنمية الاقتصادية وإدخالك في دائرة الديون والأقساط والعودة بك إلى نقطة الصفر وتحقيق ضغوط اجتماعية واقتصادية هائلة وكبيرة قد لا يتحملها المواطن وبذلك يستكمل مشروع الهدم والتخريب
هل وقعت الحكومة في كمين صندوق النقد الدولي
نعم وقعت الحكومة وغرقت واستسلمت تماما حتى هذه اللحظة لكل خطط وتعليمات وأوامر الصندوق والتي فشلت تماما في كل الدول التي استسلمت ورضخت مثلنا لتعليمات وخطط الصندوق بل إن الكثير من هذه الدول التي أشرف عليها صندوق الفقر الدولي وصلت إلى حالة الإفلاس والانهيار والفشل الاقتصادي الكامل انظر إلى السودان ولبنان وغيرها
هل الحكومة والمجموعة الاقتصادية الحالية تملك من الفكر والرؤية ما يمكنها من تجاوز الأزمة والخروج من النفق المظلم
قولا واحدا هذه الحكومة والمجموعة الاقتصادية الحالية فشلت فشلا تاما في تجاوز الأزمة أو حتى التعامل معها بحلول اقتصادية جديدة غير البيع ورفع الأسعار ورفع الدعم وزيادة الأسعار وزيادة الضرائب وعجزت تماما عن توفير بدائل وحلول اقتصادية تجنب البلاد الدخول والوقوع في هذه الأزمات المالية والاقتصادية الطاحنة
هل من الممكن تجاوز هذه الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة والبحث عن حلول اقتصادية جديدة
في عالم الاقتصاد والمال لا يوجد مستحيل بدليل وجود تجارب دولية اقتصادية حولت الفشل والانهيار الاقتصادي إلى نجاح مذهل بل وتجازت حدود النجاح إلى وجود قوة اقتصادية كبيرة ومؤثرة في العالم مثل تجربة البرازيل مع لولا دي سيلفا وتجربة ماليزيا مع مهاتير محمد وغيرها من التجارب الاقتصادية الدولية الناجحة
هل نمتلك الخبرات والكفاءات الاقتصادية القادرة على قيادة وتغيير الاقتصاد المصري
الكفاءات الاقتصادية المالية والمصرفية المصرية تقود وتترأس وتدير الكثير من الصناديق السيادية العربية والخليجية والتي يصل حجم استثماراتها إلى مئات المليارات من الدولارات وتحقق من خلال إدارتها نجاحات هائلة والكثير أيضا من هذه الكفاءات يترأس كيانات مصرفية عالمية والبعض منهم نجح وبكل جدارة في تحويل انهيارات وإفلاس بنوك أمريكية وأوربية إلى مكاسب ونجاحات مالية كبيرة وأكبر مثال على ذلك الدكتور محمد العريان
ربنا يحفظ مصر