مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: دينُ الملاحدة!

ماتَ والدُ أحد المُلحدين، فعزَّاه صديقٌ مؤمنٌ فكتبَ له: “للطبيعةِ ما أعطت، وللطبيعةِ ما أخذت، وكلُّ شيء عندَها بالصُّدَف.. ما نحنُ إلا حُثالةٌ كيمائيةٌ.. كلُّنا كائناتٌ وُجدْنا لنهلكَ، جئنا مِن العدَم وبُعثنا منِ العدَم، وسنرجعُ إلى العدَم.. عظَّمتْ الطبيعة أجرَك، وشكرتِ الطبيعة سعيَك”..نصَّا منْ منشورٍ على “جروب” للمُلحدينَ على “فيس بوك”.. الملاحدة ليسوا سواءً، بلْ فِرقٌ وشِيعٌ. هم أحرارٌ. اللهُ سبحانه وتعالى أطلقَ حرية العقيدة: “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”.. “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ”.
غيرَ أنَّ هناكَ أمرين لافتين فيما يتمُّ تداولُه على مجموعاتِ المُلحدين على مواقع التواصل الاجتماعى وما يُتاحُ لهم من وسائطَ أخرى عديدة ومتنوعة، الأولُ: هم يطلبونَ الحرية المُطلقة لأنفسِهم فقط ويرفضونَها لغيرِهم.. أحدُ المُشاغبين كتبَ منشورًا ساخرًا آخرَ نصُّه: “أحدُ المُلحدين اكتشفَ أنَّ والدَه عقيمٌ، فلما سألَ والدته: كيف أنجبتْه وشقيقه مِن زوجٍ عقيمٍ، فأجابتْه: “لقد أنجبتُكما بالصُّدفة”، في إشارةٍ إلى ما يروجه الملاحدة بشأنِ خلقِ الكون، وأن الأمرَّ كله خاضعٌ للصُّدفة أولاً وأخيرًا!!
الملاحدةُ يقولونَ: إنَّ هذا الكونَ ليس له ربٌ أو خالقٌ أو صانعٌ، وإنما خُلقَ بالصدفة، ويخوضُ بعضُهم في الذات الإلهية خوضًا عظيمًا.. الغريبُ.. أنَّ جماعاتٍ منْ المُلحدين تناوبتْ سبَّا وقذفًا بحقِّ صاحب المنشور، واعتبروه هازئًا بـ”أفكارِهم البالية”، مُتهكمًا على “معتقداتهم الواهية”، وطالبوا بطردِه وحظره من ملكوتهم الافتراضي في الفضاء الإلكتروني، ولم يمنحوه الحرية التي يطلبونها لأنفسِهم، ويدافعون عنها باستماتة، ويعتبرونها حقًا أصيلاً لكلِّ إنسان، حتى وإن كان منزوعَ العقل وخاليَ الرشد مثلهم، طالما جاراهم في سخائمِهم، وواكبَهم في سخائفِهم. قد صرنا إلى زمان يكاد المرء يُصابُ فيه بالجنون من فرط الوقاحة التي يتحدث بها أهل الباطل، والملاحدةُ أهلُ باطلٍ من الطراز الأول.
هذهِ واحدةٌ، أمَّا الثانيةُ: فبعيدًا عمَّا تمتلئ به هذه المواقعُ والتجمعاتُ والمجموعاتُ والجروباتُ والتحزباتُ من تخاريفَ وتجاوزاتٍ، لا علاقةَ لها بأىِّ منطق سديدٍ أو فكرٍ سليم، فإنه من المؤكد، وبعيدًا عن نظريات المؤامرة التي تتلبسُ المسلمين والعرب تحديدًا، فإنَّ هذهِ التكتلاتِ ليستْ عشوائية، بل مُنظمة جدًا، وبعضُها تديره جهاتٌ محترفة تتبعُ دولًا مُعادية وكارهة للإسلام، بهدفِ توسيع دائرة الإلحاد وإشاعة الفوضى الأخلاقية والدينية وإسقاط الإسلام من عليائه.. “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نوره، ولو كره الكافرون”.
ودليلُ ذلك.. ما تذخرُ به من الترويج المُنظم والمُمنهج للطعن في كلِّ ما يتعلقُ بالإسلام تحديدًا، وليس دينًا غيره، وهو طعنٌ لا يبدو عشوائيًا يرددُه شبابٌ مُكتئبون أو مُحبَطون أو مرضى نفسيون أو هاربون من سرايا المجانين، بل كلامٌ مدروسٌ ومعتمدٌ على نظرياتٍ وكتبٍ ودراساتٍ إلحاديةٍ مكتوبةٍ بمدادٍ من المكر المفضوح والكراهية المفرطة للإسلام.. باختصارٍ.. هذهِ التجمعاتُ ليست فقط مجرد “مقلب نفايات” للملاحدة ومَن في قلوبهم وعقولهم وضمائرهم مرضٌ، ولكنها “أفخاخ ومصائد” لاصطياد ضحايا جدد، وإقناعهم بتركِ الإسلام، وتحويلِهم إلى جنودٍ لاستقطابِ غيرِهم وهكذا.
ومنْ ثمَّ.. فإنَّ هذه الجروبات والوسائط وما شابهها لا يجبُ أنْ تُتركَ هكذا دونَ حَجْبٍ، خاصةً في ظلِّ حالة التردى الواضح في دورِ المؤسسات الدينية المُتخاذلة والمُتكاسلة المنبطحة في مكافحةِ هذه الظاهرة، بل إنَّ منها ما يتورط بشكل أو بآخر في تفاقم ظاهرة الإلحاد عبر أداء هزيل وتعاطٍ متخاذل وكسول وساذج مع قضايا المجتمع وتحولاته وغياب أو تغييب تام عن الميدان. كثيرٌ من المُعممين كانوا سببًا خلال السنوات الأخيرة في الابتعاد عن الدين. أداؤهم الهزلي المثير للجدل والفتنة يبقى سببًا أصيلاً في نفور بعض الصبية والشباب عن الدين. دار الإفتاء نفسها اعترفت بتعاظم ظاهرة الإلحاد في المجتمع المصري في أبحاث رسمية. أحد الأزاهرة قدَّر منذ أيام عدد الملحدين المصريين بثلاثة ملايين ملحد على الأقل!
جروبات التكفير والإلحاد والطعن في الإسلام والتشكيك في الثوابت والمُقدسات يجبُ أنْ تُعامل مُعاملة المواقع المتطرفة والإرهابية، وآن الأوان لأنْ تطالَها يدُ الحظر في مصرَ ، فالحظرُ لا يكونُ لدواعٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ أو اقتصاديةِ فقط.. هذا الأمر أكثرُ أهمية وأعظم خطرًا. وتزامنًا مع ذلك..وجب على الدولة المصرية تحديدًا أن تعيد النظر في التعامل الإيجابي والرشيد والعاقل مع الإسلام؛ لأن استعداء الدين و تحصين خصومه وتوفير الحماية والتمكين لهم وتهميشه والتحريض عليه من خلف الستار، تحت دواعٍ واهنة واهية، يُفاقم الأزمة ويُخلف عواقب وخيمة جدًا، سوف تدفع الأجيالُ المقبلة ثمنًا فادحًا وكارثيًا لها.

زر الذهاب إلى الأعلى