Uncategorizedمقالات الرأى

مختار محمود يكتب: الحق المزعج والباطل “الكيوت”!

لم يُعاصر يوسف السباعى -الذى عاش بين عامى 1917 – 1978- الجيلَ الجديدَ من الكتبة ومُدعى الثقافة ومعتنقي شعار: “خالِف تُعرَف”، ورافعي ألوية الباطل، ممن تضجُّ بهم الموائد والمداود. ورغمَ ذلك فإنَّ “السباعي” تركَ عبارة خالدة ودالة وكاشفة ومُعبرة عنهم وعن أحوالهم ودواخلهم أيَّما تعبير وهى: “الحقُّ مُزعجٌ للذين اعتادوا ترويجَ الباطل حتى صدَّقوه”.
لقد صدَّق هذا التيارُ نفسه واُفتتن بها، وتوهم أنه مُحتكر الحقيقة الأوحد، وليس من حق أحد أن يخالفه رأيًا أو يناهضه فكرًا أو يفند أكاذيبه، أويدحض افتراءاته، أويكشف متناقضاته. يفعلون ذلك بضمير مستريح جدًا، رغم أنَّ هذه العقيدة الشائهة تتصادمُ مع ما يُلحِّونَ عليه من حرية الرأى والتعبير وعدم المصادرة على أحد. وتلك أولُ نقيصةٍ تعتريهم وتجتاحُهم وتسيطرُ عليهم وتكشف زيفهم. حرية الرأى والتعبير يريدونها حصريًا وملكية خاصة لأنفسهم فقط، ويحجبونها عن غيرهم: “إذ لم تكن معنا فأنت ضدنا”. هذا هو منهجهم الأعرج وقانونهم الأعمى. إذا لم تدر فى أفلاكنا، وتؤمِّن على كلامنا، فأنت شيطان رجيم، يجب إسكاتك فورًا، ومصادرة رأيك، وتجريدك من أبسط حقوقك فى الحياة، وتجريسك على رؤوس الأشهاد. معادلة غريبة ومريضة تمكنوا عبر علاقات متشتعبة نافذة ومشبوهة من فرضها وتفعيلها، حتى صار الباطلُ وحشًا كاسرًا يبرز أنيابه ضد كل من يتجرأ على قول كلمة الحق.
هذا النبتُ الشيطانىُّ توغَّل وتغوَّل فى السنوات الأخيرة فى المشهدين الثقافي والإعلامي، حتى صارت له جذورٌ وأصبح له حضورٌ، فى الوقت الذى يتم فيه شيطنة كل مَن يتصدى لهم ويفضح ألاعيبهم، ويرصد تخاريفهم، ويتم التعامل معه بنظرية قوم لوط: “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”.
التطهر فى زمن الرجس جريمة، والصدق فى زمن الكذب كبيرة، والفضيلة فى زمن الرذيلة جناية. إلى وقتٍ غير معلوم، قد لا يكونُ قريبًا، سوف تستمر هذه الفوضى والغوغائية اللتان لا تنتجان إلا حصادًا مُرًا، وأشجارًا من زقوم، طلعها كرؤوس الشياطين.
اندثرَ “المثقف الإيجابى المُصلح فى مصر إلى غير رجعة؛ لأسبابٍ متنوعةٍ ومتعددةٍ، تجمع بين السياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي والنفسي. ولا شكَّ أنَّ غيابَ هذه النوعية من المثقفين والمفكرين والكُتاب، أو تغييبها قسرًا وتخويفًا وتهميشًا، مهَّد الأرض لظهور فئة مُتطفلة، لا دينَ لها سوى المصالح الشخصية وجني المنافع الخاصة.
لو أنَّ جهة مُحايدة أجرت تحليلَ مُحتوى لكتابات ومقالات وآراء وأفكار وأطروحات تلك العصابة المفروضة علينا فرضًا، لانتهت إلى نتيجةٍ قاطعةٍ وحاسمةٍ، وهى أنها تتبنى خطابًا استعلائيًا وإقصائيًا ومنفرًا وعدائيًا للدين والأخلاق والأعراف، وأنَّ كتابات رموزها وأفكارهم وآراءهم التى يتم تأمين وصولها من أوسع الأبواب، هي السببُ الرئيسُ فيما آلتْ إليه أخلاقُ المصريين من تراجُع وتدنٍ على جميع المستويات. الإساءةُ إلى الذاتِ الإلهيةِ، في عُرفِ كهنةِ الإعلامِ وحُراسه الجُددِ، مُباحةٌ، والتطاولُ على المقدسات تحضُّر.
سوف تكتشفُ جهة تقييم وتحليل المحتوى، إذا ما اتَّسمت بالموضوعية والحياد والنزاهة، أنَّ كتاباتِ وآراءَ عدد كبير من المثقفين الأشاوس لا تدافع عن خُلق كريم أو سلوكٍ قويم أو فضيلةٍ أو مكرُمةٍ، زتخوض مع الخائضين، فى الوقت الذى تتصدى فيه، بكل ما تملكه من أسلحة وأدوات، وبأسلوب متطرف وإقصائي للتحريض ضد الأديان، ودعم الأفكار الشاذة والعمل على التمكين لها، والوقوف فى خندق الباطل والزيف والتلفيق والتدليس، وسوف تجدُ كتاباتٍ مُحرِّضة على الإباحية والإلحاد و الشطط ومُخاصمة الحقِّ بجميع صوره وأشكاله.
سوف تكتشفُ هذه الجهة أيضًا أنه لا رابطَ فكريًا يربطُ بين كتابات وآراء مَن يطفو على السطح من هؤلاء الكتبة والمدعين والأدعياء سوى إعلان النفير العام ضد أبسط مظاهر الالتزام الأخلاقي، ودق طبول الحرب على المؤسسات الدينية والعمل على تقزيمها وتهميشها، فى مقابل التمكين لمؤسسات وكيانات أخرى تسعى إلى تفكيك المنظومة الأخلاقية للمجتمع وتدميرها واستبدالها بمنظومة مغايرة قائمة على الانحلال والشذوذ والإباحية والتجرؤ على الثوابت الدينية والأعراف الأخلاقية والاستهزاء بها..ولعل في مثل هؤلاء تنزل قول الله تعالى: “يحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ”.

زر الذهاب إلى الأعلى