مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: يُدَبِّرُ الأمر

0:00

كثيرةٌ هي مشاهدُ الحياةِ التي تُخبِرُك بأنَّ اللهَ مُدَبِّرُ الأمر، تَمُرُّ بالجميع، لكنْ لا ينتبهُ لها الجميع، فيمرون بها مرورَ الكرام!! مشاهدُ حياتية يقول الله لك بها، لا تقلق مهما اشتدت الظروف؛ فمدبرُ الأمر لا يَغفلُ ولا يَنام ولا يُعجِزه شيءٌ فيمنع تدبيرَه!! سبحانه، يُدبر لك الأمرَ وأنت لا تدري، كما دبَّر أمرَ الحِفاظِ على كنز اليتيمين “… فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ … ” ( الكهف _ 82 )، كلُّ ذلك دون أن يعلما عمّا يحدث شيئًا!!

ومن هذه المشاهد الحياتيةِ اليومية ما حدث منذ نحو ثماني سنوات، إذ كنا نعمل على إنشاء سجل مدني بقريتنا (سنباط _ زفتى _ غربية)، واشترينا خزينةً كبيرة من القاهرة، تم شحنُها لطنطا، وحين ذهبنا لاستلامها أوقفْنا سيارةً لها (شَبَكَة) فوق سقفِها حتى يمكنَ وضعُ الخزينة، وفي الطريق حيث سارتْ هذه السيارة خلفَ سيارتي ومعي الأخ الكريم (محمد فوزي ندا)، وبعد عدة كيلو مترات، لم نعُدْ نرى السيارة، ولم يكن هناك وسيلةُ تواصل مع السائق، لكنّا قمنا بتصوير رقم اللوحات المعدنية للسيارة، وبواسطة صديق حصلنا على بيانات صاحبها، وتوجهنا إلى قسم ثانٍ طنطا لعمل محضر؛ علّنا نصل إلى الخزينة مرة أخرى!! سألتُ عن مكتب المأمور، الذي رحَّب بنا ودعانا للجلوس حتى ينتهيَ من بعض الأوراق التي تُعرض عليه، وأثناء حديثه مع مَن يَعرِض عليه الأوراق، سمعتُه يقول: (يعني الراجل ده هياخد شهر حبس علشان ١٥٠ جنيه!! مافيش حد يدفعهم)؟!! فتدخلتُ في الحديث عارضًا أن أدفعَ المبلغ، فقال المأمور: (لدينا حالتان أخريان مثله)، قلتُ: (ندفع للثلاثة). وفي هذه الأثناء جاءنا اتصالٌ هاتفي من شباب قريتنا بوصول سائقٍ ومعه خزينة!! ولما فرغ المأمور من مشاغله، نظر إلينا: (تحت أمركم)، قلتُ: (تم حلُّ المشكلة التي حضرنا من أجلها)!! قال: كيف؟! فقصصنا عليه الأمر، فردّ: (طيب والناس اللي عليها غرامات وهتتسجن)!! قلتُ: (سندفع بالطبع؛ فما ساقنا مدبرُ الأمر إلى هنا إلا مِن أجلِهم)!!

ذكَّرني بهذا المشهد _ الذي تم رسمُه بعيدًا عن أبطالِه الحقيقيين الذين لم يَظهروا أمامنا وربما ناموا قريرِي الأعين لا يدرون شيئًا عن تدبير الله وكرمِه عليهم _ أقول: ذكّرني به مشهدٌ آخر حدثَ منذ بضعةِ أيام، إذ خرجتُ من قريتي (سنباط) قاصدًا القاهرة، وبعد حوالي ستة كيلو مترات تذكرتُ شيئًا، فعُدتُ مرةً أخرى لاستيفائه، لأقابلَ أثناء تحركي للقاهرة شابًّا يقفُ على الطريق، لا أعرفه ولا يعرفني، فعرضتُ عليه أن يركبَ معي، فإذا به مسافرٌ إلى القاهرة قاصدًا نفسَ المكان الذي أنا متجهٌ إليه!! لذا فإن دعاءنا ( اللهم دبِّر لنا فإنا لا نُحسنُ التدبير )، ليس خبطَ عشواء، بل هو ثقةٌ في المدبر، ولعلك إذا طالعتَ القرآن الكريم لوجدتَ عبارة “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ” تكررت أربعَ مرات اثنتان منها في (سورة يونس) حيث الصعوبات التي مرّ بها نبي الله (يونس) ولا يمكن أن يُخلصه منها إلا مدبر الأمر بأسبابه جل وعلا، ليستقرَّ في نفوس القلقين والمضطربين أن تدبيرَ أمرِ هذا الكونِ كلِّه بيدِ اللهِ وحدَه. فلا تخف من شيءٍ وَلَكَ رَبٌّ يُدَبِّرُ الأمْر، مَا أرادَهُ لَكَ هُوَ مَا سَيَكُون.

قيل لأحد الصالحين: ما سِرُّ السكينةِ التي تعتريك؟ قال: قرأتُ “يُدَبِّرُ الأَمْرَ” فتركتُ أمري لصاحبِ الأمر!!

زر الذهاب إلى الأعلى