مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : أسرة سعيدة أفضل..أم حلم الثروة والسلطة!

0:00

اعتاد الصديق الكاتب الكبير محمد عبد القدوس أن يبعث ببعض الرسائل اليومية لأصدقائه، ومنها نستلهم أفكار موضوعات، ومنها على سبيل المثال قضية أثارها قبل أسبوع بعنوان ” (لماذا يرفضون الزواج من جديد ؟؟)، ويتحدث فيها عمن فشل في زواجه ويرفض تكرار التجربة مرة أخرى، وكعادة عبد القدوس فهو يجيد فن كتابة الحبكة الروائية حتى في كتابة موضوعات عامة، ويجعل المتلقي متشوقا للقراءة للنهاية ليعرف الخاتمة وأي معنى يقصد من القصة كلها.
يقول عبد القدوس :الزواج السعيد نعمة من عند ربنا ..لكن هناك قطاع واسع من المجتمع لا يعرفها أو يرفضها !! ويشير إلى أناس مضربون عن الزواج لأسباب مختلفة ..ومنها فئة المضرب رغماً عنه لأن تكاليف هذا الإرتباط صعبة جداً ، ومكلفة للغاية ، وهو لا يقدر عليها خاصة في ظل الغلاء الفاحش الذي تعيشه البلاد.
ثم يستعرض أسباب وهو رفض البعض الزواج من جديد ، بعدما عرفه وذاق حلوه ومره ..وهم أشكال وألوان .

ويضيف عبد القدوس: تعجبني جداً تلك الأرملة التي توفي زوجها مبكراً فجأة ، وقررت عدم
الزواج من جديد ، وتكريس حياتها لتربية أبنائها ، وحياتها بعد موته صعبة ، ولكنها بالتعبير المصري “قدها وقدود” تجدها بمليون راجل وبجانبها امرأة شابة طلقت مبكراً وعندها أولاد رأت أن الإهتمام بهم وبعملها أفضل من أي زواج جديد!!

وهناك من عاش مع شريك عمره حياة سعيدة لفترة طويلة حتى مات ، وكان كل شيء في حياته ومصدر سعادته ..ولم يتزوج من جديد لأنه يعيش على الذكريات الحلوة.
والطلاق ليس نهاية الدنيا ..يمكن أن يبدأ حياته من جديد إذا وجد الشريك المناسب ، ولذلك فهو في الانتظار وغير متعجل ..وبالطبع سيأخذ من زواجه الفاشل الأول عظة وعبرة ودروس عدة !
يشير عبد القدوس إلى أنه يعرف أصدقاء سعداء بعد زواجهم الثاني، بل والثالث والرابع !! يعني الواحد من هؤلاء لم يعرف اليأس أبدا ..ويرفض أن يشبع رغباته في الحرام أو إقامة علاقات غير شرعية ..وهذا يستحق تعظيم سلام، كما أنه يعطي الأمل لهذا الذي يبحث عن زواج جديد بعدما تحطمت أحلامه على صخرة الزواج الأول ..وربنا يعوضه خير إن شاء الله.
وهناك بالطبع من تجد عنده عقدة من الزواج بعد فشله ولا يحاول تجربة هذا الطريق من جديد ! بل يقول ”توبة”!! ويفضل أن يدبر حياته بعيداً أي إرتباط شرعي .. يعني عايز “يعيش حر” على حد تعبيره بعد صدمته في زواجه التي قصفت نصف عمره كما يزعم!بل ويتمادى البعض في ذلك قائلاً: الزواج نظام اجتماعي فاشل ..وهو يتراجع في كل مكان من العالم !!وقد يعرف الحب ليس بالضرورة أن يتزوج!!يمكن أن يعيشوا سويا بلا زواج ..وفي أوروبا وأمريكا تجد أطفال غير شرعيين ثمرة هذا الخبر ..وهم لا يعترفون بالتعبير الذي ذكرته “أطفال غير شرعيين”!!وهكذا ترى الدنيا تتطور بأخلاقها بطريقة مذهلة لم تخطر على بال أحد !! فهل هذه من علامات الساعة ؟

ويختتم الصديق عبد القدوس: أعود إلى نقطة البداية الأولى: الزواج قسمة ونصيب ، أو بالتعبير الصحيح ”الزواج قدر“ . ولذلك أقول لمن لم يتزوج بعد ..إياك والتعجل ولو تقدم بك العمر مادمت لم تعثر على الشريك المناسب ..لأن حياتك ستنقلب إلى نكد في زواج فاشل .

ثم يطالب عبد القدوس بإلغاء كلمة “عانس” التي تطلق على من تقدم بها العمر ولم تتزوج ..ويري هذه الكلمة هذه الكلمة ”عيب قوي“ في حقها وحق اللغة العربية كلها.

انتهى كلام الصديق الكاتب محمد عبد القدوس، وتصادف وقتها أن شاهدت الفيلم الأمريكي ”رجل العائلة“، ومضمونه أن رجل أعمال ناجح يعيش بمفرده ويعبث بحياته، فهو يمتلك من الدنيا كل ما يتمناه المرء، حتى إنه قال في أحد المشاهد ”أملك كل شئ“، أو هكذا اعتقد قبل الأحداث المقبلة وحياته التي تنقلب تماما.

فيلم رجل العائلة في أبسط معناه يعتبر قصة رجل يتعلم قيمة الأسرة، حيث يحكي الشريط السينمائي قصة جاك كيلي (نيكولاس كيج)، رجل أعمال ناجح يعيش حياة مزدحمة في مدينة نيويورك. ذات يوم، يستيقظ جاك ليجد نفسه في حياة مختلفة تمامًا. فهو الآن متزوج من مارثا (تيا ليوني) ولديه طفلان، كريستوفر وسارة. يعمل جاك كمندوب مبيعات في متجر أدوات. يحاول جاك في البداية، العودة إلى حياته السابقة، لكن سرعان ما يدرك أن حياة العائلة هي ما يريده حقا، ويتعلم أهمية الحب والالتزام والمسئولية على مدى تواصل الأحداث والمشاهد.

الفيلم جيد البناء، ويقدم قصة مؤثرة، و أداء نيكولاس كيج وتيا ليوني كفيل بالتعاطف معهما حتى وإن اختلفا في البداية، ولكنهما يقدمان شخصيات قابلة للتعاطف، ويكفي أنه يقدم قصة عن أهمية الأسرة.

ربما يلحظ المشاهد أن قصة الفيلم شبيهة مع أفلام أخرى كثيرة تتحدث عن أهمية الأسرة في حياة الإنسان، رجل كان أم امرأة، فمثل هذه الأفلام تشترك في العديد من العناصر المشتركة، مثل التركيز على أهمية الأسر وإدراك قيمتها في الحياة والتغلب على التحديات.

أهمية الفيلم في بعده الاجتماعي، إذ يتناول العديد من القضايا الاجتماعية المهمة، مثل: أهمية الأسرة وتأثيرها على حياة الأفراد، فالبطل جاك يتعلم جاك في النهاية أن الحياة العائلية هي ما يريده حقا، وأن الأسرة هي مصدر الحب والدعم والسعادة.

يسلط الفيلم الضوء على أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية، فنرى جاك يدرك في النهاية أن العمل ليس كل شيء في الحياة، وأنه يجب أن يخصص وقتا للأسرة والعلاقات الاجتماعية
ونصل إلى نقطة مهمة للغاية وهي كما يشير الشريط السينمائي يشير الفيلم إلى معضلة السعي وراء الأحلام، لأننا رأينا جال في البداية يسعى وراء حلمه في أن يصبح رجل أعمال ناجحا، لكنه يدرك في النهاية أن هذا الحلم يأتي على حساب حياته الشخصية.

وثمة أبعاد نفسية وراء أحداث فيلم ”رجل العائلة“ ، فمن القضايا النفسية التي يناقشها، الندم، وهو ما يشعر جاك على قراره بالتخلي عن حبيبته مارثا من أجل فرصة عمل في لندن. ثم يدرك في النهاية أن هذا القرار كان خطأ، وأن عليه أن يصلح ما أفسده. كما يواجه جاك تحدي التغيير عندما يستيقظ في حياة مختلفة. ويضطر إلى التكيف مع حياته الجديدة، ويتعلم في النهاية أن التغيير يمكن أن يكون أمرا مقبولا حتى وإن كان صعبا في البداية ولكنه في النهاية تصير الحياة أفضل، لأننا نرى جاك يتعلم قبول نفسه وظروفه، و يدرك في النهاية أن عليه أن يتقبل اختياراته، وأن عليه أن يعيش حياته بأفضل ما لديه.
وهنا أعترف وأقول إنني اضطررت للبحث عن النقد الفني باللغة الانجليزية للفيلم، لمعرفة إجابة تساؤل لي: هل كان جاك يحلم في بداية الفيلم حتى استيقظ الواقع الفعلي لحياته مع زوجته مارثا وطفليه؟..أم أنه كان يعيش واقعا حقيقيا كرجل أعمال ولكنه كان يحلم بحياة العائلة!؟

وهنا اكتشفت أن النقد الأجنبي يمنح الفيلم بعدا روحيا، فجاك يمثل الشخص الذي يعيش في العالم المادي، وتجسد الزوجة مارثا والطفلين والعائلة الروحانية. ويتعلم جاك في النهاية أن الروحانية هي أهم شيء في الحياة وأن عليه أن يركز على تنمية روحه. فيلم رجل العائلة فيلم مؤثر وغني بالرسائل الاجتماعية والنفسية والروحية،. وجدير بالمشاهدة، فهو يترك بصمة في نفوس المشاهدين، ونجح فعلا في توصيل رسالة بأهمية العائلة، فجاك يتعلم قيمة الأسرة من خلال تجربته، بعد بداية مريرة اعتقد فيها أن حياته السابقة (الحلم كرجل أعمال) هي الأفضل، وأن العمل والثروة والثراء البالغ وحياة اللهو هو أهم شيء في الحياة. ومع ذلك، عندما يستيقظ .في حياة مختلفة، يتعلم أن الأسرة هي مصدر الحب والدعم والسعادة.
فالأسرة ليست مجرد مجموعة من الأشخاص يعيشون في بيت واحد. ولكن الأسرة الحقيقية مجتمع من الأشخاص الذين يحبون ويدعمون بعضهم البعض، و الأسرة هي مصدر القوة والإلهام، وتساعدنا على التغلب على ما نواجهه من تحديات في الحياة. فنرى جاك يتعلم أمثلة حقيقية على مدار المشاهد المختلفة أهمية الأسرة، ويتعلم كيف يكون أبا جيدا.

والتساؤل: هل كان جاك يحلم في الفيلم بأنه رجل أعمال ناجحا؟
الإجابة بكل بساطة، نعم فكان يحلم في الفيلم بأنه رجل أعمال ناجح جدا.
في بداية الفيلم، نرى جاك وهو يسعى وراء حلمه في أن يصبح رجل أعمال ناجحا، فهو يعمل بجد ويبذل قصارى جهده لتحقيق أهدافه، لأنه يعتقد يعتقد أن النجاح في العمل هو ما يجعله سعيدا. ومع ذلك، عندما يستيقظ جاك في حياة مختلفة، يتعلم أن النجاح في العمل ليس كل شيء في الحياة، لأنه يدرك أن الأسرة هي أهم شيء بالنسبة له، وأن العمل لا يمكن أن
يحل محل الحب والدعم والسعادة التي يوفرها له عائلته.

في النهاية، يتخلى جاك عن حلمه في أن يصبح رجل أعمال ناجحا ليعيش حياة سعيدة مع أسرته، حتى تأتي الخاتمة على غير المتوقع تماما، لتتخلى الزوجة مارثا عن حياة العائلة، ليس تخليا طوعيا وإنما ضمن الحبكة الدرامية، فنراها تعيش الحلم الذي عاشه جاك في البدايات، حتى تخلى عنه مفضلا حياة الأسرة عن العزوبية بكل خيراتها وشرورها، فنرى مارثا تستعد لمغادرة نيويورك متوجهة إلى باريس لتبدأ حياة جديدة هناك، وهي هنا تكرر ما فعله جاك في الحلم حيث تخلى عنها ليسافر إلى نيويورك ليحقق حلمه بالثروة والسلطة. ولكنه في النهاية يستطيع إثناء مارثا عن فكرة السفر ويذكرها بأن لها أسرة وزوج وطفلين، لتسترد وعيها في لحظة وتقرر التخلى عن حلم السفر لتعيش حياة الأسرة.

زر الذهاب إلى الأعلى