مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: في حب اللغة العربية… أشتاتٌ مُجتمعات

_ وخيرُ مفتتحٍ مقولة ” مُصطفى صَادق الرَّافعي ” (1880م _ 1937م ): (كانتِ اللغةُ العَربيَّةُ مَمْلَكَةً بِلا حَاكِمٍ حتَّىٰ جاءَها القُرآن).

_ أسماها عباس العقاد ( 1889م _ 1964م ) اللغةَ الشاعرة، وله كتابٌ يحمل هذا الاسم يُفصل فيه أسبابَ ذلك، فهي ذاتُ موسيقى مقبولةٍ في السمع، كما تمتاز عن سائر اللغات بحروفٍ تفي بكافة المخارج الصوتية، وتنفردُ بحروفٍ لا توجدُ في اللغاتِ الأخرى كالضاد والظاء والعين والقاف والحاء والطاء، وقد استغنتِ العربيةُ عن تمثيل الحرف الواحد بحرفين مشتبكين أو متلاصقين، فالشين عندنا حرف واحد (ش) وفي الإنجليزية (SH)، والثاء حرف واحد (ث) وكذلك الذال (ذ) وفي الإنجليزية (TH).

_ لغتنا موسيقيةٌ شاعرة حتى وإن لم يَقصد القائل؛ استمع في (راديو مصر) إلى هذه الجملة: (هذا البرنامج برعاية / دارِ الإفتاءِ المصرية) لترى أنها جاءت على موسيقى بحر (المُحْدَث أو المُتَدَارَك) وبالتأكيد لم يَقصدْ قائلُها أن تأتيَ شِعرًا موزونًا!! كما لم أقصد في كتابتي أن تكون جملة (أن تأتيَ شعرًا موزونًا) ذاتَ وزنٍ شِعري، وإنما جاء الأمرُ عفوًا. ولعلنا جميعًا نؤمن بأن القرآنَ الكريم ليس شِعرًا، لكنَّ بعضَ آياتِه تأتي موزونةً أوزانًا شِعريةً لتُعَبِّرَ عن معدِنِ اللغةِ العربيةِ الشاعرة، فمِن بحر الطويل نجد “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ” ( الكهف _ 29 )، ومن البسيط “فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ” ( الأحقاف _ 25 ) ومن بحر الكامل “صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” ( الأحزاب _ 56 )، ومن الرَّمَل “إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم” ( التوبة _ 95 ).

_ افخرْ بلُغتِك؛ فكم عزَّ أقوامٌ بعزِّ لغاتِ، إنَّ معرفتَك بلغاتٍ أخرى أمرٌ مطلوبٌ ومحمود، ولكنَّ إهمالَ لغتِك أو التباهي بغيرها على حسابها أمرٌ مرفوض!! حين كانت العربيةُ لغةَ العِلم كان لِزامًا على الطلاب الأوربيين تعلُّمُ العربية ليتمكنوا من تحصيل العلوم في الأندلس على يدِ العلماءِ المسلمين!! وعند عودتِهم إلى بلادهم كانوا يتفاخرون بمزج كلامهم بالألفاظ العربية، ذلك قبل أن تنقلب الآية!! وكانوا يستفتحون مناقشاتِهم بالعربية؛ دلالةً على أنهم من أهل العلم والثقافة والمعرفة!! اللغةُ تقوى وترقى مع الرُّقي العِلمي والحضاري، وتضعف مع الانحدار!! فتراجعُ اللغة يعود إلى تراجع أصحاب اللغة وليس إلى اللغة ذاتِها كما يقول (مصطفى صادق الرافعي)، لقد أحيا اليهودُ لغتَهم العِبرية بعد موات، فهل يَليق أن نُميتَ لغتَنا الحية؟!

_ العام الماضي 2022م وفي الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية (18 ديسمبر من كل عام)، وفي أحضان كلية الآداب بجامعة القاهرة العريقة، سمعتُ معلومةً جديدة ربما سمِعها كثيرون لأول مرة من أستاذنا (د/ عبد الله التطاوي) الذي قال: (إن الدكتور/ “محمود فهمي حجازي” (يناير 1940م _ 11 ديسمبر 2019م)، هو الذي كتب المذكرةَ التي عُرضتْ على الأمم المتحدة لجعل اللغةِ العربية من لغاتها المعترفِ بها، ود/ “عبد الله خورشيد البَرّي” (أستاذ الدراسات الإسلامية والأدب المصري بكلية الألسن _ توفي عام 1990م) هو الذي كتبَ المذكرةَ التي عضَّدتْ من المذكرةِ الأولى التي كتبها د/ حجازي). ملحوظة: أصبحت اللغةُ العربية من اللغات المعترف بها في الأمم المتحدة بُعَيْدَ نصر أكتوبر 1973م!!

_ وخير مختتم… أسفل شُباك غرفة أبي _ رحمه الله _ بمنزلنا بقريتنا سنباط، وقفتُ وصديقي نتحدث، فقال صديقي مِن بين ما قال هذا البيتَ لكعب بن زهير:
أُنبِئتُ أنَّ رسولَ اللهِ أوعَدَني // والعفوُ عند رسولِ الله مأمولُ.

(نطق صديقي كلمة “رسول” بضم اللام، وحقها الفتح؛ فهي اسمُ أنَّ)!! فما كان من أبي إلا أن انتفضَ يفتحُ الشُّباك، وبصوتٍ عالٍ قال: (مين يا ولد اللي واقف معاك ده وبيقول (أنَّ رسولُ) ده يا ولد)؟!!! فما كان من صديقي إلا أن فرَّ هاربًا!!

زر الذهاب إلى الأعلى