مختار محمود يكتب: غزَّة..لنْ تحرّرَها الطيرُ الأبابيلُ
يا عربُ.. اعلمواْ أنَّ الطيرَ الأبابيلَ لنْ تسقطَ من السماءِ على أعدائكم مُجددًا، ولنْ تصرعَ السماءُ “أبرهةَ” مجددًا، ولنْ تقضى على الفيلَةِ مُجددًا، لنْ يحدثَ شئٌ من كلِّ هذا، فقدْ مضى زمنُ المعجزاتِ، وأدبرَ عصرُ الأساطيرِ.
“أبرهة” وأعوانُه وأفيالُه باقون، يفعلونَ بكمْ وفيكم الأفاعيلَ، يُمثّلونَ بأجسادِ أوطانِكم، يستنزفونَ ثرواتِ بلادِكم، يصنعونَ الفوضى، يثيرون الخرابَ، وأنتم صامتونَ أو خاضعونَ أو خانعونَ أو متواطئون.. أو تنتظرُون حدوثَ المعجزةِ التي لنْ تأتىَ اليومَ أو غدًا أو بعدَ غدٍ.
ها هو العدوُ يتداعى عليكم كما تتداعى الأكلةُ إلى قصعتِها، نعم أنتْم كثيرٌ جدًا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السيلِ، لقدْ نزعَ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وقذفَ في قلوبِكم الوهنَ، وملأها ضعفًا وجُبنًا، تضيعُ “غزَّةُ” أو لا تضيعُ، فقد ضاعَ غيرُها.
بلادُكم تحولتْ إلى ميادينَ للقتال بينَ أبناءِ الوطنِ الواحدِ والملَّةِ الواحدةِ والقبيلةِ الواحدةِ، تُخرّبون بلدانَكم بأيديكم وأيدى “أبرهة” وأعوانِه، فاعتبروا يا أولى الأبصارِ، ولكنْ أينَ هم أولو الأبصار؟
الحاكمُ العربىُّ.. إما تنتهى حياتُه غدرًا وإمَّا سجنًا، ولا ثالثَ لهما، بينما “أبرهة” ورفاقُه يتداولون السلطةَ في سلاسةٍ وسلامٍ، وتجمعُهم الملتقياتُ، ويتصافحون أمامَ الكاميراتِ، ولا يتناصبون العداءَ، ولا يُضرمونَ النارَ في شعوبِهم، ولا يتواطأون على قتلِهم أو اقتتالِهم.
وأنت يا “نزارُ” لمْ تغيرْ كلماتُك الغاضبةُ منْ الواقع المريرِ شيئًا، فالكلماتُ والهتافاتُ وبياناتُ الإدانة والاستنكار والاستهجان لا قيمةَ لها، ولا جدوى منها فى زمنِ البطشِ والغطرسةِ والعدوانِ، فقطْ.. تثيرُ سخريةَ “أبرهة” واستهزاءَ رفاقه فى أبراجِهم العاجيِّةِ.
“غزَّةُ”، يا “نزارُ”، لا تزالُ تذرفُ الدموعَ أنهارًا. أقدمُ مُدنِ التاريخِ يا “نزارُ” لا تزالُ محروقةَ الأصابعِ، ولا تزالُ أحجارُ شوارعِها حزينةً، ومآذنُها حزينةٌ، وكنائسُها حزينةٌ.
“غزَّةُ” يا “نزارُ” صارتْ مدينةَ الأحزانِ والأوجاعِ والدموعِ والقتلِ والدمارِ. أطفالُها يُقتَّلون ونساؤها وشبابُها ولا مغيثَ.
“غزَّةُ” يا “نزارُ” هي عنوانُ الكرامةِ العربيةِ المهدورةِ، والنخوةِ العربيةِ الضائعةِ. “مدينةُ الملوك”.. يا “نزارُ” تلتفُّ بالسّوادِ، ولنْ يزهرَ فيها الليمونُ، ولنْ تفرحَ فيها السنابلُ الخضراءُ والزيتونُ، ولنْ تضحكَ بها العيونُ، ولن ترجعَ الحمائمُ المهاجرةُ إلى السقوفِ الطاهرةِ.. هلْ تعلمُ لماذا يا “نزارُ”؟ لأنَ العربَ يترقبونَ هطولَ الطيرِ الأبابيلِ على أبرهة وأفيالِه وأعوانِه، ولمْ يؤمنوا بعدُ بزوالِ زمنِ المعجزاتِ وعصرِ الأساطيرِ.