مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: هذه هى مصر

0:00

مصر تجيد العمل وقت الشدائد, وتؤدى ببراعة عندما تتوالى وتتعاظم التحديات, لاتهزها عواصف أو أعاصير, فهى تخطو بثبات وثقة بصورة تزلزل أركان المتعجبين, فمنذ بناء الأهرامات قبل آلاف السنين وحتى شق قناة السويس الجديدة ومصر لم تتوقف عن إنجازاتها المذهلة التى يتجاوز تأثيرها الزمان والمكان.

عندما شرعت مصر فى تنفيذ سلسلة من المشروعات الكبرى عقب ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952, ورأت قوى الاستعمار والهيمنة الدولية أن مصر تشكل خطرا على أطماعها الاستعمارية, دأبت هذه القوى على إيقاف الطموح المصرى , وسعت قوى الاستعمار بشتى الطرق وكل الوسائل وقف المشروع المصرى, وما العدوان التلاثى على مصر عام 1956إلا صورة من صور محاولات وقف هذا المشروع , وبينما كان كثيرون يظنون الظنون إذا بمصر المذهلة تعلن عن نفسها, فهاهى تجهض أحلام العدوان الثلاثى, ويشاهد العالم بأم عينيه كيف تصدى المصريون بجسارة لجيوش فرنسا وبريطانيا وإسرائيل مجتمعين, وألحقوا بهم شر هزيمة.
لقد ولت جيوش العدوان الأدبار ليحتفل المصريون بعيد النصر فى الثالث والعشرين من ديسمبر. مصر الصامدة المذهلة التى فاجأت الأعداء وهزمت العدوان الثلاثى, هى مصر التى قامت بتأميم قناة السويس, ونفذت بناء السد العالى.
كانت الفترة التى أعقبت الخامس من يونيو1967, وحتى السادس من أكتوبر1973واحدة من المحطات الفارقة التى تجسدت فيها صورة مصر المذهلة بشكل غير مسبوق, فبعدما حدث فى الخامس من يونيو 1967 كان العالم ينظر إلى كافة المعادلات المرئية ويخرج منها بنتيجة أنه لن تقوم لمصر ولاللعرب قائمة أخرى بعد ذلك!, لكن هؤلاء لم يكونوا يدركون أن هناك معادلات أخرى خفية لايستطيعون هم رصد عناصرها أو تفاعلاتها, ومن ثم لايمكنهم توقع نتائجها.
راحت مصر تخرج سريعا من أجواء الخامس من يونيو , وكانت معركة “رأس العش” أولى المفاجآت. مصر العظيمة هى التى خاضت حرب الاستنزاف, وجعلت العدو لايهنأ يوما بما توهم أنه حققه فى الخامس من يونيو, ومصر هى التى شيدت حائط الصواريخ فى عام 1970 ليجعل أحدث طائرات إسرائيل الحربية خارج نطاق الخدمة, ومصرهى التى وضعت خطة الخداع الاستراتيجى التى لم يستطع فك شفراتها أعتى أجهزة المخابرات فى العالم, ومصر هى التى فاجأت العالم وليس اسرائيل فقط ظهر السادس من أكتوبر1973 العاشر من رمضان 1393 وأبطالها البواسل يسطرون الملحمة يعبرون قناة السويس, ويحطمون خط بارليف, وصيحات الله أكبر تملأ سماء المعركة.
فى كتابات المؤرخين عن مصر يمكن للمتأمل المتعمق أن يرصد بعضا من عناصر معادلات القوة الخفية التى لاتظهر نتائج تفاعلاتها إلا فى الوقت المناسب, فتكشف مصر عندها عن أدائها المذهل, ويرى المؤرخون أن سرا من أسرار هذه القوة أشار إليه رفاعة الطهطاوى فى كتابه” مناهج الألباب” عندما قال عن مصر: “فما اختصت به مصر من بين الدول أن كل دولة تستنير برهة ثم تنطفىء وتشرق شمس بهجتها ثم تختفى فكأنما نورها شىء ماكان ولالمع ضوؤها فى زمن من الأزمان, وأما مصر فأغرب شىء من بقاء شمس سعدها وارتقاء كوكب مجدها أنها بقيت سبعين قرنا حافظة لمرتبتها العليا, لها اليد البيضاء والسلطة المعنوية على سائر ممالك الأرض”.
ويقول المؤرخون عن مصر إنها صاغت أول نظرية أمن قومى فى التاريخ, وهى نظرية ربطت مبكرا الغاية بين الأمن الخارجى والأمن الداخلى فى وحدة فريدة, ويضيف المؤرخون أن أحد أبعاد هذه النظرية يقوم على أن مصر الموحدة بدولتها المركزية هى عاصمتها من الانهيار وسبيلها إلى المقاومة والانتصار. أما البعد الثانى فى هذه النظرية فيقوم على أن خط الدفاع الطبيعى عن مصر يقع شرقى حدودها الشرقية, ولهذا واصل تحتمس زحفه فى مواجهة الآسيويين حتى الفرات, وقاد أحمس قواته حتى آسيا الصغرى وشمالى العراق.
فى وقت الشدائد, ووقت التحديات, ووقت الأزمات, ووقت الجائحات تفاجىء مصر دوما الجميع بأداء يفوق جميع التوقعات, إنها مصر التى وصفها التاريخ فى المحطات الفارقة أنها مصر المذهلة, نعم إنها أرض الكنانة كنانة الله.
فى شهر نوفمبر عام 1918 نجحت مصر فى إدراج ملف الدمى اليدوية التقليدية( الأراجوز) فى قائمة الصون العاجل للتراث غير المادى بمنظمة اليونسكو, وكانت مصر قد نجحت فى تسجيل فن “التحطيب” كتراث مصرى غير مادى فى نوفمبر 2016, وسبقه إدراج السيرة الهلالية عام 2008 ضمن قائمة اليونسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى