مقالات الرأى

ياسين غلاب يكتب: عقد الحراسة بين الغرب المحبوب والكيان اللقيط..من العدو

0:00

ربما يصطدم البعض بهذا العنوان؛ كما نصطدم بمشاهد الدمار وقتل الأطفال والنساء وتفجير المنازل بمن فيها ليل نهار. لقد رحل الاستعمار الغربي العسكري عن بلادنا لكنه بقي في عقولنا ثم امتلأت قلوبنا شغفا محرمًا به؛ حتى جاء الوقت علينا ونحن نحلم بأن نعيش في نيويورك أو لندن أو باريس. إسرائيل ليست دولة وإنما حثالة بشرية مرتزقة وما أسهل القضاء على المرتزقة فهمهم حياتهم والمال؛ وإذا ما شعروا بأدنى خطر فروا من ميدان المعركة إلى حيث أتوا. الغرب هو العدو الحقيقي الذي أبرم عقد حراسة مع هؤلاء المرتزقة وملخصه أن يحمي هؤلاء المرتزقة – ولا مانع أن تسفك بعض دمائهم – مصالح بريطانيا العظمى مقابل المال ومكان يقيمون فيهم بعد أن كانت أوروبا كلها تلفظهم وكأنهم حشرات تفسد عليهم حياتهم؛ ثم انتقل هؤلاء المرتزقة لعقد حراسة جديد مع أمريكا. تلك هي الحقيقة وهذه هي الأدلة.
هكذا كان وعد بلفور حيث رأى كهنة الإنجليز السياسيين أن هؤلاء المرتزقة يمكن أن يكونوا مصدر نفع في حماية مصالحهم التي تتعرض للخطر على طول الطريق من الهند إلى قناة السويس بعد أن أدركوا أن مصر لن تدوم لهم كقاعدة عسكرية ينطلقون منها لحماية مستعمراتهم؛ وأن تكلفة ذلك تكلفة زهيدة إذا ما قورنت بتكاليف عملياتهم الحربية في الحفاظ على تلك المصالح.
لكي يسرع تنفيذ وعد أو صفقة بلفور قال ماكس نوردو الزعيم الصهيوني المجري في خطاب له في لندن في 16 يونيو 1920 أنه يرى أن الدولة اليهودية ستكون “بلدا تحت وصاية” بريطانيا العظمى وأن اليهود سيكونون حراسا يقفون على طول الطريق الذي تحفه المخاطر والذي يمتد عبر الشرقين الأدنى والمتوسط حتى حدود الهند”.
أما حاييم وايزمان فقد قال في خطاب وجهه لتشرشل في نفس العام إن المصالح المشتركة والتحالف الطبيعي بين الإمبراطورية والدولة الصهيونية هي ما يدفعني للتعجيل بإنشاء دولتنا في فلسطين وقد استطاع وايزمان اختراق النخبة البريطانية في ذلك الوقت حتي وصف ريتشارد كروسمان عضو البرلمان البريطاني “وايزمان” بأنه كان من المؤمنين إيمانا راسخا بمزايا الإمبراطورية وأنه كان يرى أن الاستيطان اليهودي في فلسطين ضمان أكيد لسلامة بريطانيا خاصة مصالحها في قناة السويس.
وبلغة الاقتصاد الجافة كتب وايزمان إلى تشرشل قائلاً: إن السياسة الصهيونية في فلسطين ليست على الإطلاق تبديدًا للموارد وإنما هي التأمين الضروري الذي نعطيه لك بسعر أرخص من أن يحلم به أي فرد آخر متسائلا بصراحة فجة: هل تمت أية عملية استعمارية أخرى تحت ظروف مواتية أكثر من هذه: أن تجد الحكومة البريطانية أمامها منظمة لها دخل كبير ولديها استعداد لأن تضطلع بجزء من مسئولياتها التي تكلفها الكثير؟ هكذا كان يسوق قادة الصهاينة فكرة إنشاء دولتهم: بيع دم هؤلاء الحثالة البشرية في مقابل مكان يقيمون به حيث كانت أوروبا كلها تلفظهم ويريد هؤلاء القادة الأثرياء من اليهود التخلص من أعبائهم.
بعد 1956 والعدوان الثلاثي حيث كانت إسرائيل مخلب قط لكي تعود بريطانيا وفرنسا لاستعمار قناة السويس؛ أصبح عقد الحراسة بين الأصيل الأمريكي والوكيل الإسرائيلي؛ حيث كافأ الأصيل وكيله باستباحة الدم الفلسطيني والعربي بلا قيود.
عبر وزير الكيان للتخطيط والتنسيق الاقتصادي “يعقوب ميريدور” صراحة عن هذا العقد عندما قال في حديث لإذاعة الجيش الأمريكي مركزًا على مدى رخص وانخفاض ثمن إسرائيل كقاعدة للمصالح الأمريكية: إن إسرائيل تحل محل 10 حاملات طائرات والتي تكلفتها 50 مليار دولار وأن الولايات المتحدة لو دفعت فائدة مقدارها 10% فقط من الثمن فقط سيكون 5 مليارات دولار في حين أن المعونة الأمريكية الرسمية لإسرائيل لم تصل إلى هذا القدر بأي حال من الأحوال، متسائلا في سخرية عن بقية مبلغ المعونة؟
أما آريل شارون فتجاوز في صراحته الفجة قائلا إن الخدمات التي تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة تفوق في قيمتها ما تقدمه الولايات المتحدة من معونات لإسرائيل مضيفا أن واشنطن ما تزال مدينة لإسرائيل بـ 70 مليار دولار.
المحرر الاقتصادي للجيروساليم بوست؛ شلومو ماعوز، فصل عقد الصفقة الاستراتيجية أكثر فقال إن الإسرائيليين (المرتزقة) يعرفون جيدًا إن مساعدة الولايات المتحدة للدولة الصهيونية هي في جوهرها مساعدة لخدمة مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية حيث إن واشنطن تدفع سنويا 30 مليار دولار لقواتها في حلف الناتو و40 مليارا كتكاليف لحماية مصالحها في المحيط الهاديئ ولذلك فإن مساعدتها لإسرائيل تافهة بشكل يبعث على الضحك.
وفي 20 يوليو 1985 عبرت الإيكونومست عن ذلك قائلة إن ما تحصل عليه إسرائيل هو مبلغ تافهة لوظيفتها كمركز شرطة أمامي وقاعدة محتملة وقد لخص الصحفي الإسرائيل “سبير كل” ذلك العقد قائلا إن القادة الإسرائيليين يذكرون في كل وقت القيادة الأمريكية بتكلفة وجود الجيش الأمريكي في غرب أوروبا وأن ما يقدمه الجيش الإسرائيلي ليس خدمة حربية كامنة فقط وإنما رخيصة أيضا بل إنها أرخص من أي خيار عسكري آخر محتمل لأمريكا في المنطقة.
رحم الله الدكتور عبد الوهاب المسيري فطن إلى جوهر العلاقة بين الكيان والغرب وأنها علاقة منفعة قائمة على خدمات حراسة لمرتزقة ولا مانع أن يسفك بعض دمهم في مقابل المال الغربي لحماية مصالحه. يكفي أن نذكر القارئ أن كل سلاح تحصل عليه إسرائيل من الغرب يستفيد الأخير بمليارات الدولارات من صفقات الأسلحة التي يشتريها جيران إسرائيل في المنطقة، فهل هناك استثمار أكبر من ذلك؛ وهل نستغرب حضور الغرب الصريح الآن بحاملات طائرات وبوراجه ومدمراته لحماية وكيله الذي كشفت عورته أمام العالم؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى