مقالات الرأى
مشيرة موسي تكتب : العودة للعبودية
تفاصيل الحياة الصغيرة تأخذني بعيدا … تشغلني … بل أكاد أجزم انها باتت تلهيني عن حقائق ثابتة واضحة جلية … الواقع المؤلم … الذي أدركته مؤخرا … انني انا الموقع أدناه … وانا بكامل ارادتي وقواي العقلية … قد استسلمت وسلمت وتنازلت عن حريتي الكاملة … انني عدت الي عصر العبودية … دون رغبتي ودون أن ادري … واستطيع ان أؤكد … انني للأسف … لست وحدي … واحدة واحدة يا حبايب … طولوا بالكم … واسمحوا لي بالشرح …زمان وزمان جدااااا برضه … لما كنا صغيرين … كان عندنا قدرة عظيمة علي الحفظ … مثل أرقام تليفونات ” البيت والغيط ” زي ما بيقولوا … مش بس أرقام التليفونات … اللي لسه حافظاها لحد دلوقتي …لا كمان حاجة زي جدول الضرب … اللي حفظناه في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية … ولسه لازق في المخ بعد مرور سنوات تزيد كثيرا عن ال ٥٠ عاما … طيب ايه اللي حصل … وايه اكتشافاتي اللي ملهاش لازمة دي … خليكم معايا … بس بالهداوة كده … ممكن اطول شوية علشان العيال اللي كانت لسه ما اتولدتش دي … كان زمان في تليفون البيت ” الأرضي ” … عند معظم الناس كان بيبقي في الصالة … أو الريسبشن … تليفون واحد لكل الأسرة … وساعات للجيران كمان … جنب التليفون كان دايما موجود قلم وأجندة أو نوتة بالحروف الأبجدية … مكتوب فيها كل الاسماء والأرقام … ده احتياطي … لكن اغلب الناس كان عندها القدرة علي حفظ أرقام التليفونات اللي بدأت بأربع أرقام وزادت لتصل الي ٧ ثم ٨ أرقام … حتي ظهر الموبايل في حياتنا …في المرحلة الانتقالية … احتفظ الناس بنوتة التليفون … وكتبنا أرقام الموبايل الي جانب النمرة الأرضي … دي كانت البداية … ولكن ” الموبايل اللئيم “… لم يكتف بذلك … وبدأنا نحن الانزلاق نحو العبودية … مرحلة الاعتماد الكامل … أو مرحلة ال”لا عودة “… فإلى جانب الأسماء والارقام بدأ الموبايل يذكرنا بالتاريخ … بالساعة … بالمواعيد … باعياد الميلاد … يقوم عنا بالعمليات الحسابية … وعمليات اخري هامة … وحتي خرائط الطرق … وطبعا لا يمكن أن ننسي الكاميرا والصور والفيديوهات … وبلغنا مرحلة الاعتماد التام علي هذا ” الموبايل اللئيم ” … ووصل الحال في كثير من الأحيان الي مرحلة الإدمان للصغار والكبار … لماذا هذا السرد … فقط لاذكركم … إن هذا ” اللئيم ” لا امان له …صديقتي العزيزة … انتفخ فجأه موبايلها خلال موجة الحر الأخيرة مدمرا كل ماعليه من أسماء وأرقام وصور … اما انا فقد فقدت موبايلي … لمدة يوم الا قليلا … وقد حاولت تذكر اي من الأرقام التي اطلبها يوميا … وفشلت تماما … وعاد الي هذا اللئيم ” متمايلا متفاخرا ” … وكأنه يريدني ان اقر واعترف ” مش قادرة اعيش من غيرك ” … بعد ساعات القلق والتفكير … قررت انا الموقع أدناه … العودة لكتابة الأرقام … ومحاولة استعادة ملكة الحفظ … لا تحدثوني عن عمليات التتبع … والعمليات الأخري الخاصة بالحفظ وال “كلود ” وبقية العمليات … التي تربطني اكثر بالموبايل … فها انا اكتب هذه الفضفضة علي الموبايل … وفي نفس اللحظة اصرخ ” اعطني حريتي … اطلق يدايا “