محمد أمين المصري يكتب : معطف كريم العراقي
![محمد أمين المصرى](https://misralan.net/wp-content/uploads/2023/01/D3EE2681-DC88-45D7-B4C0-33C50B4057F6-720x470.jpeg)
ودع العالم العربي قبل أيام الشاعر الكبير كريم العراقي، وكان واحدا من من أبرز شعراء العراق في القرن العشرين، وتميزت قصائده بالعمق والجمال والتعبير الراقي، وأجاد استخدام اللغة العربية الفصحى بمهارة عالية في أشعاره ، مع تأثير واضح من التراث الشعري العراقي والعربي الكلاسيكي.
ودع العالم العربي شاعرا فحلا، أبدع كثيرا في كتاباته وأثر تأثيرا كبيرا في الكلمة العربية، ويكفيه قصيدة “تذكر” وحصل بها على جائزة منظمة اليونيسيف لأفضل قصيدة إنسانية.
ولعلي أرى في كريم العراقي إنسانا نبيلا، عطوفا، رهيف القلب، ولم لا؟ وهو الشاعر الرقيق، ولكن مع رقته الشعرية فهو مثال للوطنية، فالعراق لم يفارقه لحظة، فكان في قلبه وعقله وروحه، وطالما تحدث عن بلده العراق في أشعار.
ورغم أن كريم العراقي تحدى الصعاب واستطاع مقاومتها، إلا أنه كان ضعيفا أمام مرضه، ولكن قاوم قدر المستطاع، فعشر سنوات مريضا بالسرطان فترة كافية لتعطينا كم قاوم المرض وتحداه، ولكن لكل أجل كتاب، فكان أجله بالإمارات، ليعلن استسلامه للموت، غني للعراق وتغني به، عاش غريبا ومات في الغربة ليعود إلى العراق محمولا في صندوق وكان بإمكانه العودة إلي بلاده ويحملوه على الأعناق.
كريم العراقي ليس وحيدا في العيش غريبا عن وطنه وغربته ثم يعود لبلاده ميتا مجرد رفات، أفل نجم كريم العراقي كإنسان ولكن يظل إرثه خالدا كشاعر ما غابت شمسه، ما ضاق صدره يوما بحب وطنه العراق حتي وإن ضاق الوطن به.
كريم العراقي بدواوينه وقصائده السبعين، تغني بها شقيقه في الإخوة كاظم الساهر وغيره من المطربين العرب، ولكن الساهر تحديدا كونا معا “دويتو فني” ولما يتفارقان حتى اللحظات الأخيرة في حياة الشاعر كريم العراقي. وغني له الساهر قصيدة “تذكر” والتي كما سبق حصل بها على جائزة “اليونيسيف”، وقال فيها:
تذكر كلما صليت ليلا
ملايينا تلوك الصخر خبزا
على جسر الجراح مشت وتمشي
وتلبس جلدها وتموت عزا
تذكر قبل أن تغفوا على أي وسادة
أينام الليل من ذبحوا بلاده
أنا إن مت عزيزا إنما موتي ولادة
قلبي على جرح الملائكة النوارس
إني أراهم عائدين من المدارس
باست جبينهم المآذن والكنائس
كتبوا لكم هذا النداء:
وطني جريح خلف قضبان الحصار
في كل يوم يسقط العشرات من أطفالنا
إلى متى.. إلى متى هذا الدمار؟!!
جفت ضمائركم..جفت ضمائركم
ما هزكم هذا النداء
رقت له حتى ملائكة السماء
جفت ضمائركم..وما جفت دموع الأبرياء
لم يكن يعلم كريم العراقي أو حتى كاظم الساهر عندما تحولت الكلمات إلى أغنية، أن تشتعل الأرض حزنا على أطفال العراق الذين عاشوا الجوع والبرد والحرمان والفقر إبان فترة الحصار الدولي على العراق بعد عام 1990..فتحركت القوافل الطبية والإغاثية من شتى بقاع الأرض ذاهبة إلى أرض العراق، بعد أن حركت كلمت كريم العراقي القلوب والنفوس.
ومن أجمل ما كتب كريم العراقي قصيدة “معطفي” ويقول فيها:
لما استعارت معطفي
فورا تغير موقفي
يا برد أينك من دمي
أنا شعلة لا تنطفيئ
الكل من حولي هتف
برد مخيف وارتجف
وأنا عن الكل اختلف
في داخلي دفء خفي
فهي استعارت معطفي
يا معطفي ما أسعدك
قربي وما..ما ابعدك
حاولت أن احسدك
يا ليتني كنت معطفي
يا للهدوء العاصف
قالت أعطرك أجنبي؟
يالله لا تستغربي
وعطر قلبي الطيب
قالت لكل تلطف
تبدو الحنون العاطفي
وتغامزوا من حولنا
فالحب أصبح معلنا
وسألت روحي هل أنا
محبوبها أم معطفي؟
أين الدليل لاحتفي؟
وهنا أتتنا الحافلة
فتنهدت هي قائلة
شكرا وخذه قبله
قد كان يوما معطفي..
والكل صفق يشتفي
لما أعادت معطفي..
ومضت بغير توقف
لن نوفي أي كلمات قدر الشاعر الراحل كريم العراقي، فهو الإنسان الرقيق، المخلص لشعر ولغته العربية، والمنتمي لوطنه وأهله، ومن حرك سكون الأرض لتنتقل القوافل العالمية إلى فقراء وأطفال العراق.
وداعا كريم العراقي، جسدا ولكن ستظل كلماته باقية تطربنا وتشجينا.