د. إيمان إبراهيم تكتب : “ولادك مش كل حياتك”
ولادك مش كل حياتك، قد يتعجب البعض عندما يقرؤون أو يسمعون هذه العبارة، فهي ربما تشير في ظاهرها إلى الدعوة لإهمال الأبناء وإنكار حقوقهم من جانب الأم، والحقيقة غير ذلك تمامًا، ولكن إذا أمعنا النظر وبحثنا في طيات تلك العبارة، سنجدها تحمل في جنباتها الكثير من الرحمة والراحة لكل من الأم والأبناء معًا.
فإذا عكسنا ظاهر الجملة، ستصبح “ولادك كل حياتك”، وهو ما تتعامل به وتفعله معظم الأمهات بكل سرور ورضا، فهن يُسخرن أنفسهن وجوارحهن وجميع ما يملكن لمصلحة الأبناء دون كلل أو ملل وبكل حب وإثار، وذلك مقابل تغافلهن (الأمهات) بل وتنازلهن عن جميع حقوقهن في الحياة، وعندها تصبح الأم بلا هوية ثقافية أو علمية،أو اجتماعية أو مهنية وما إلى ذلك من الأشياء التي يمكن من خلالها تحديد شخصية هذه الأم واهتماماتها كإنسانة، ضاربة عرض الحائط بكل هذه الأشياء التي ربما تُشعرها بالوجود، مقابل أن تقوم بتربية أبنائها وتعليمهم وتسليحهم بكل ما يحتاجون إليه، فهم فلذات أكبادها وأعز ما تملك، والحقيقة أن هذا شيء في قمة الروعة والتفاني وحب العطاء اللامحدود، ولم ولن أنصح أي أم بأن تفعل أقل من ذلك، ولكن ما أستنكره على بعض الأمهات هو إسقاطهن لاهتماماتهن، وهواياتهن وحقوقهن في العيش والتمتع ولو النسبي بملذات هذه الحياة إلى جانب ما يقدمنه لأبنائهن.
فمعظم الأمهات يقمن بوأد أحلامهن ويصبحن بلا كينونة، وهنا نجد أن الكثيرين يمدحون تلك الأم، ولكني لست منهم، وقد يهاجمني البعض على ذلك بل وربما يتهموني بتحريض الأمهات على ترك المسؤوليات المنوطة بهن، وتحميلي ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة، ولكنني أقول لكل هؤلاء رويدًا رويدًا، فإن الأمهات يجب أن يحترمن حقوقهن الشخصية والاهتمامات الخاصة بهن، وأن يكن لديهن وقت وفرصة للاستمتاع بأنفسهن وتحقيق أحلامهن، بجانب العناية بأبنائهن، وبالتالي، فإن العبارة الأصلية “ولادك مش كل حياتك” تشير إلى ضرورة أن يكون للأم وجودها الشخصي وحقوقها الخاصة، وأن تتمتع بحياة خاصة بها إلى جانب تربية الأبناء. وهذا يساعد على تحسين الصحة النفسية والعاطفية للأم، وبالتالي يساعد على تحسين العلاقة بينها وبين أبنائها، وتحقيق التوازن المثالي في الحياة العائلية حتي لا يتحول عطاء الأم إلي خزان أحزان يُشعرها بخيبة الأمل عندما يكبر الأبناء ولا يبادلونها بنفس القدر من الاهتمام والعطاء الذي قدمته لهم في الصغر، ولن يتحقق ذلك إلا بجعل الابناء جزء من الكل في حياة الأم وتقوم هي بترتيب اولويات هذه الأجزاء وفق رؤيتها علي أن يكون لها نصيب منها ويكون الابناء في مقدمة تلك الأولويات وعندها تدركين عزيزتى الأم أن “ولادك مش كل حياتك بل هم جزء من حياتك”.