مختار محمود يكتب: هانز كونج.. مُسلم بألفٍ مما تعدُّون
“محمدٌ نبيٌّ حقيقيٌّ بمعنى الكلمة، ولا يمكنُنا إنكارُ أنَّ محمدًا هو المرشدُ القائدُ على طريق النجاة”.. نصًا من حديث طويل للعالم السويسرى “هانز كونج” الذي رحل عن دنيانا قبل عامين، عن الإسلام ورسوله الكريم.
يُعتبر “هانز كونج” أحدَ رواد البحث عن الحقيقة، حيث ظلَّ، خلالَ عمره المديد الذي دام ٩٣ عامًا، ينشدُ الحقَّ أينما كان، عن علمٍ وبصيرةٍ، وليس عن تقليدٍ ومُحاكاةٍ. وبعدَ دراساتٍ مُضنيةٍ ومقارناتٍ دقيقةٍ في العقائد، مُتسلحًا بأدواتٍ علميةٍ رصينةٍ وذكاءٍ معهودٍ، أعلن دخوله في الإسلام، ولم يكتفِ بذلك، بل تحوَّلَ إلى واحد من أكابر المدافعين عن الإسلام في الغرب، على غرار: “روجيه جارودي” و”أنتوني فلو”، مِن الذين أنار اللهُ قلوبَهم وعقولَهم وبصائرَهم، وهداهم إلى نور اليقين.
بعدَ الدراسات العلمية المُستفيضة والبحوث التي أعدَّها، والمقارنات التي فرَّق خلالها بين “حق جليٍّ” وبين “باطل خفيٍّ”، توصَّل “هانز كونج” إلى أنَّ الإسلامَ هو دينٌ سماويٌّ حقيقيٌّ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله قد تلقى وحيَ الله، وبلغه كما أمرَه اللهُ تعالى.
لقد أزعج “هانز كونج” الغربَ بتأكيده أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ حقيقيٌّ بمعنى الكلمة، وأنَّ القولَ بغير ذلك زعمٌ كاذبٌ، ووهمٌ باطلٌ، يفتقرُ إلى البرهان والدليل.
استطاع “هانز كونج” الدفاعَ عن الإسلام ومواجهة الأفكار المُناوئة له، وأعلنها صريحة واضحة أمامَ المعسكر الغربي الكارهِ بالفطرة للإسلام، أنه لم يعد يُمكنه أنْ يستمرَّ بعد ذلك في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسولُ الله تلقَّى وحيَ السماء، وهو رسولٌ حقيقيٌّ بكل معاني الكلمة، لا جدالَ في ذلك ولا ريبَ، وأنَّ أيَّ تجديفٍ ضدَّ هذه الحقيقة أشبهُ بمن يريدُ إطفاء الشمس في يومٍ قائظٍ شديدٍ الحرارة!
استطاع “هانز كونج” أن يُقيم الحججَ الدامغة والبراهينَ الساطعة التي لا يتطرقُ إليها أدنى شكِ على تفنيد حُجج خصومه الواهية عن دين الإسلام ونبي الإسلام، بل إنه -حبًّا في الإسلام واستمساكًا بمبادئه- طلب من خصومه الساخطين عليه أن يحاولوا فهمَ الإسلام، وأن يراعوا ضمائرَهم، ويؤدوا واجبهم، ولو لمرة واحدة، في حياتهم تجاه هذه الديانة العالمية التي طال تجاهلُها، على حد قوله. واللافتُ في الأمر هو أنَّ معظمَ مَن تجاوبوا مع نصيحته، سرعان ما أعلنوا اعتناقَ الإسلام!
آمن “هانز كونج” بأنه من الخطأ الجسيم نبذُ الإسلام؛ على أساس أنه دينُ النار والسيف، بدون أن نعرف مادته الدينية، مشددًا على أنَّ العرب، من خلال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ارتقوَا إلى مرتبةٍ عاليةٍ من الأخلاق، والدينُ مبنيٌّ على الإيمان بإلهٍ واحدٍ وأخلاقياتٍ إنسانيةٍ أساسيةٍ.
في واحد من أهم كتبه وهو: “الاسلام رمز الأمل”، شدد “هانز كونج” على أنَ محور كتابه هو: “لن يكون هناك سلامٌ بين الأمم من دون السلام بين الأديان، ولن يكونَ هناك سلامٌ بين الأديان من دون حوار بين الأديان”، مؤكدًا أنَّ الاسلامَ هو رمزُ الأمل بأخلاقه وقيمِه الدينية، على النقيض تمامًا من الصورة العدائية السوداوية المنتشرة عنه في الغرب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وهذا الكتابُ ينتمي إلى سلسلةٍ ممتدةٍ ولامعةٍ وناصعةٍ من الكتب المُهمة والمؤثرة والمُضيئة في مسيرة الرجل مثل: “الإسلامُ ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً” وغيره من الكتب الكاشفة عن عقلانية ومنهجية هذا الرجل، لذا فإنَّ “هانز كونج” مُسلمٌ بألفِ مسلم على الأقل مما تعدُّونَ، رحمَه اللهُ رحمة واسعة، وأنزلَهُ منازلَ المتقين والصديقين والأبرار، وحسُنَ أولئكَ رفيقًا..