حازم عبده يكتب : الأردوغانية الأخيرة

بعد جولتين من الانتخابات الرئاسية فاز الرئيس التركي “المزمن” رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية جديدة، بعد حصوله على 52.18 في المائة من أصوات الناخبين، ليعاد انتخابه للمرة الثانية والأخيرة، حيث لا يحق له بموجب الدستور المعدل عام 2017، خوض الانتخابات مرة أخرى، وجاء فوز أردوغان بعد منافسة شرسةحقيقية مع مرشح المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو الذي حصل على 47.82 في المائة.
وتعهد أردوغان، في خطابه عقب فوزه بأن يعمل على احتضان أطياف الشعب التركي جميعها، وأن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة “تآلف وتوحد”. وتحدث عن خططه المستقبلية في إطار رؤيته التي تُعرف ب”قرن تركيا”، قائلاً إن “أمامنا نهضة اقتصادية جديدة وانطلاقة قوية، و سنبعد الإرهابيين عن حدود بلادنا”.
أدى إردوغان اليمين الدستورية يوم السبت الماضي ليتسلم مهام منصبه رئيساً للجمهورية التركية وهو على أعتاب السبعين فهو من مواليد فبراير 1954 وإن قدر له إكمال دورته فسيكون في الرابعة والسبعين، وعلى الرغم من الضغوط القاسية للأوضاع الاقتصادية الداخلية التي تؤرق أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) إلا أن أخطر ما صدره أردوغان في حملته الانتخابية هو أن مستقبل البلاد واستقرارها رهن بإعادة انتخابه، وتلك هي الطامة الكبرى بعد عقدين من الزمان في الحكم.
بعيداً عن الأزمات الداخلية المعقدة والمركبة التي يواجهها أردوغان خلال فترة حكمه الأخيرة يترقب الجميع نهج أردوغان إزاء الحرائق التي أشعلها في علاقات بلاده مع جوارها القريب والبعيد ومع أوروبا والولايات المتحدة، وتلك العلاقات الملتهبة كان لها الدور الأعظم في الضغط على الليرة التركية وتراجعها أمام الدولار حد الانسحاق فقد تخطى سعر صرف الدولار حاجز العشرين ليرة.
المحيط التركي ملتهب في الجنوب مع سوريا وأزمة تلك الجبهة أنها حبلى بالتهديدات، وهي مسرح للصراع مع حزب العمال الكردستاني فإلى أي مدى سينجح أردوغان في المناورة والالتفاف حول قطيعته مع دمشق الأسد الذي كان يراهن أردوغان على زواله إلا أنه بقي صامداً، وهو عائد بقوة بخاصة بعد عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، ومشاركة بشار الأسد في القمة العربية الأخيرة في جدة الشهر الماضي.
أيضاً التدخلات التركية في كل من شمال العراق و ليبيا بحاجة لإعادة حسابات، فلن يقبل العرب بمثل هذه التدخلات سواء كانوا متفقين أم مختلفين فيما بينهم ففي النهاية القمم العربية تصدر قراراتها بإدانة التدخلات التركية في الشأن العربي في المجمل، وعلى تركيا أن تدرك أن العلاقة مع الدول العربية هي علاقة ندية وحسن جوار وقائمة على مصالح واضحة لا تدخلات شائنة وأن الساحة العربية ليست حديقة خلفية لتركيا، ولو تم تصحيح مسار هذه العلاقة، وتم وضعها في إطار المنافع المتبادلة والتعاون الاقتصادي لجنت تركيا فوائد جمة، وكذلك العرب، لذا من المهم بلورة تصور عربي شامل لمسار العلاقة مع تركيا، يضمن المصالح العربية بإرادة عربية دون مناورات أو إملاءات.