محمد محمود عيسى يكتب : فوضى التدين في المدارس الحكومية
يقترب العام الدراسي على الانتهاء ومع دخول الاستعداد للامتحانات نهاية العام وتوديع عام دراسي يوشك أن يرحل وقبل أن نطوي أوراقه وملفاته يجب أن نتوقف عند العديد من الأمور والقضايا الهامة والتي يجب أن تخضع لضوابط وأليات حاكمة ومنظمة لها في المدارس الحكومية والخاصة أيضا إن كانت تعاني من هذه الأمور وأول هذه المشكلات وأهمها والتي يجب أن يتم بحثها في أروقة وجلسات وزارة التربية والتعليم ويتم وضع حلول عاجلة وحاسمة لها هي مشكلة فوضى التدين في المدارس حيث أن هذا الأمر يتم داخل المدارس بدون ضابط يحكمه ولا قانون أو لائحة تضبط تناوله وإعلانه في المدارس وبين الطلاب وغالبا ما يكون الحاكم والمسيطر على هذه الأمور الدينية على اختلاف مظاهرها وتناولها من ينتمون إلى جماعة الإخوان الإرهابية حتى وإن كانوا من الإخوان ” اللايت ” أو ممن يخفون انتمائهم وميولهم إلى هذه الجماعة إلا أن الحقيقة المرة والواضحة والتي لا نريد أن نراها ونغمض أعيننا عنها هو سيطرة كل من ينتمون إلى جماعة الإخوان الإرهابية بشكل أو بأخر على منصات الإعلام والإعلان في المدارس الحكومية مما يذكرنا بسيطرة التيارات الإسلامية المتطرفة على الجامعات في الفترات المظلمة من تاريخ مصر حتى وإن اختلفت الصورة . دعونا لا نجمل القبيح ولا نخفي وجوهنا عن الحقائق ولا نتغاضى عن الواقع الذي يحيط بنا ونتركه يكبر ويتكاثر حتى نجد أنفسنا في يوم من الأيام أمام سد منيع من الأفكار والتوجهات المضللة تعالوا بنا نأخذ جولة في يوم دراسي في مدرسة حكومية ولنبدأ بطابور الصباح وبرنامج الإذاعة الصباحية الذي يتم وضعه واختياره تحت إشراف المدرس المشرف على الإذاعة أو من يحتلها بوضع اليد والفكر يبدأ برنامج الإذاعة الصباحية بالقران الكريم وبعد ذلك حديث نبوي شريف وبعد ذلك كلمة صباحية تتناول موضوع ديني خالص يتحدث عن قضية دينية مدعمة أيضا بالقران الكريم والحديث النبوي الشريف وبعد ذلك قصيدة شعرية دينية تتناول فكرة دينية معينة وبعد ذلك شخصية اليوم شخصية دينية يتم تناول جوانب من حياتها وشخصيتها في طابور الصباح . كل هذا التناول الديني الخالص يتم تناوله وبشكل يومي أمام جميع التلاميذ وفي مراحل سنية مختلفة وبدون مراجعة وموافقة أية جهة مسؤولة في المدرسة على برنامج الإذاعة وبدون الالتفات إلى وجود طلاب غير مسلمين يجب أن نحترمهم ونراعي مشاعرهم ونقدر دينهم ولا نضعهم تحت هذا التوجه الديني المتواصل كل يوم. ولن أتحدث عن الحوارات والنقاشات التي تتم بين المدرسين وبين التلاميذ في الأمور الوطنية والدينية على مدار اليوم الدراسي وسيطرة الانتماء الموجه ضد الدولة ومشروعاتها على توجه وفكر معظم من يوجهون ويحاورون التلاميذ وهم يتناولون موضوعات تخص الدولة أو الجمهورية الجديدة أو حتى الدين. دعونا نناقش الأمور بعقلانية وهدوء ومن خلال الرقي والإنسانيات العظيمة التي يدعو لها الدين وقمة الرقي والرحمة في الدين هي أن يحترم الإنسان غيره ويقدره ولا يجور عليه بدينه ولا يطغى عليه بشعيرته ولا يظلمه بعقيدته بل قمة الرقي والتحضر في الدين أن يكون الإنسان في فكره وفي سلوكه وفي تعامله مع غيره وفي أمانته في أداء عمله دينا يظهر في كل ذلك. إن الدين لا يحتاج إلى برامج إذاعية ولا إلى كلمات صباحية ولا إلى حصار ديني مستمر. الدين يحتاج إلى سلوك. الدين يحتاج إلى معاملة طيبة حسنة. الدين يحتاج إلى احترام الأخر. الدين يحتاج إلى التعامل برقي وتحضر مع من حولك. الدين يحتاج إلى أن تشعر الأخر بأنك تحترمه وتقدره في كل كلمة وفي كل فعل تقوم به. الدين يحتاج إلى أن تراعي الأمانة في عملك داخل الفصل وخارجه وأنت تتعامل مع الطلاب في المدارس ومن بداية اليوم وفي طابور الصباح الدين يحتاج إلى أن تفصل بين توجهك واعتقادك وفكرك وبين الطالب الذي وضعه أهله أمانة بين يديك ومع غير المسلمين فأنا لم أرسل ابني إلى المدرسة لكي يكون تحت التوجه الديني الواحد ومن أول طابور الصباح وحتى أخر اليوم ولا أن يشعر جانب من الطلاب بالانعزال أو القلة. أن ما ننادي به هو أن يكون هناك تنظيم وترتيب لفقرات البرنامج الإذاعي في المدارس وأن يكون هناك ضابط وحاكم بين توجهات وفكر المعلم وبين عمله ورسالته أمام الطلاب وأن تهتم وزارة التربية كل الاهتمام بالإذاعة الصباحية في كل المدارس وأن يتولى الإشراف عليها أصحاب الفكر الوطني والمجتمعي والعلمي الراقي والمتحضر ومن الممكن أن تقتصر برامج الإذاعة الصباحية على الافتتاحية بالقران الكريم وبقية البرنامج الإذاعي فقرات وطنية وسلوكية وأخلاقية تستعرض سيرة أحد شهداء الوطن وفقرات وطنية تستعرض مشروعات الجمهورية الجديدة وفقرات تستعرض إنجازات الدولة وفقرات تستعرض القيم الحياتية والأخلاقية والمعيشية والإنسانية الراقية التي تنهض بالمجتمع وترتقي بالسلوكيات المتحضرة التي نحتاجها في المجتمع ونحتاج إلى أن ننشرها بين الطلاب وهي القيم المشتركة بين كل أطياف المجتمع أما خصوصية الدين فالمساجد والكنائس موجودة ورجال الدين هنا وهناك لا يقصرون في أداء رسالتهم وإن كنا ما زلنا ننادي بتجديد أدوات ووسائل التواصل في الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي ومحاولة إيجاد خطاب ديني عصري حديث يتناسب مع تطلعات وأفكار الأجيال الجديدة