مشيرة موسى تكتب: رمضان جانا.. وفرحنا به
كل لحظة وانتم وكل الحبايب طيبين…كان نفسي تعيشوا معايا رمضان بتاع زمان…حقيقي كان مختلف خالص…
واحنا صغيرين اول يوم رمضان كان معناه الفطار عند جدي وجدتي لابويا…اقولكم ايه ولا ايه…الأكل كان له طعم وريحة مختلفة…لكن الحق لا اكلت ولا هاكل صينية رقاق، زي رقاق تيتا كلثومة…وزيادة في التفنن بااااه…كانت الست جدتي تخبئ عملة معدنية مغسولة وملفوفة في كيس صغير وسط صينية الرقاق…والمحظوظ هو اللي كانت تطلع له العملة ( قرش صاغ أو خمسة صاغ)…الله علي الفرحة…لسه أصوات الضحك في وداني… بنات عماتي بيزعموا اننا خلصنا كل الضحك اللي من نصيبنا واحنا صغيرين…المهم ان بعد الفطار كان الكبار يقعدوا يشربوا الشاي والقهوة والصغار ينزلوا الجنينة وكل واحد معاه الفانوس الجديد هدية جدو لنا…الفانوس الصفيح الملون التحفة بتاع زمان وجواه شمعة…ونفضل نلف وندور ونغني…الله علي رمضان زمان وناس زمان…
اما اول يوم جمعة من رمضان فكان من نصيب جدتي لأمي ‘نناه دوسي’ واللي كان أكلها كمان له مذاق خاص جدا جدا…كفاية ورق العنب الملفوف كل واحده فيه قد عقلة الصباع…وممكن اقول الان وبصراحة شديدة اني كرهت عملية حشو ورق العنب بسببها أيضا…كانت جدتي وأثناء وجودنا معها في الصيف تجمعنا نحن الأحفاد علي ترابيزة السفرة…كل واحد أمامه طبق ورق العنب المسلوق وطبق أرز وطبق فنجان قهوة صغير وتطلب منا لف ورق العنب في حجم عقلة الإصبع…ويا ويله اللي يغير المقاس ويلف ورقة عنب منتفخة…كان حكمها القاسي هو’فكها ولفها من جديد’ …الدقة مطلوبة والاوامر يجب تطبيقها…’ حاضر يا نناه’ …
اما رمضان في بيتنا فكان حكاية تانية خالص… تبدا مع انتظار انطلاق المدفع في التلفزيون…وكنا من اوائل البيوت التي دخلها التلفزيون عام ١٩٦٠…اما الإفطار فكان علي صوت الآذان في الاذاعة والاستماع للفوازير والمسلسل …وما زلت اتذكر مسلسلات عظيمة لجيل كامل من عمالقة التمثيل… كنا في رمضان نستضيف القبيلتين (اخوات ابي واخوات أمي )…بالتناوب… المطبخ عندنا كان مختلف قليلا …وعلي الرغم من وجود طباخ الا ان امي كانت تشتهر بصينية المكرونة بالبشاميل …اما ابي فكان يبهرني ويبهر ضيوفنا في كل مرة بفكرة جديدة….فمرة يجعلني اساعده في عمل مرايل لنلبسها لزجاجات الكوكاكولا ونضع الشاليمون في جيب صغير جدا….ومرة يكتب بخطه الجميل كلمات مثل اهلا وسهلا أو بالهنا والشفا وبعد تفريغ الكلمة يرش القرفة لتطبع الكلمات علي صينية الكنافة أو طبق المهلبية…
اختلف الآمر قليلا بعد وفاة جدي لأبي…وبدء زواج الأحفاد(جيلي)…ولكن ظل رمضان في بيت امي وابي له مذاق خاص جدا…واصبح الإفطار عندهم اول ايام رمضان طقس مقدس… وما زال أولادي يتذكرون ويحكون ان رمضان اختلف بعد رحيل جدو وستو (أبي وأمي )…
انا احب المطبخ…كنت استمتع بمتابعة وسؤال ‘نناه’ في المطبخ…وفي بيت والدي كنت اراقب واسأل عم محمود ومن بعده عم سراج الطباخ من شباك يفصل بين حجرة السفرة والمطبخ…وكنت احيانا اقوم بالطهي عند وجود امي في العمل…تحت اشراف جدتي التي كانت تتابعني تليفونيا…
والحق… لم اتوقع ان المطبخ سيبكيني عند انتقالي لبيت الزوجية…فلم أتصور يوما انني سأقوم بتنظيف السمك و غسيل السبانخ المليئة بالطين…ولأكتشف في شهر رمضان ايضا انني سأصبح أما…وفي انتظار اول ولي عهد في العيلة…مش هاقولكم عن كم الدلع من ابويا وامي وكل عيلتي…دي فترة محتاجة وحدها لدردشة خاصة …
-رمضان زمان أو غير رمضان… الصلاة كانت شىء اساسي عند الكبار …لكن الحقيقة لم اري اي من رجال العيلة يصلي في الجامع…بإستثناء صلاة الجمعة وصلاة العيد…
-رمضان زمان أو غير رمضان… مكانش في عبايات او اسدالات ونقاب …لكن كان في اخلاق وادب ..
-رمضان زمان أو غير رمضان… مكانش في شراء لوازم الشهر بألاسراف والجنون الذي نراه في الوقت الحالي…
-رمضان زمان او غير رمضان… مكانش في صناديق وشنط للتوزيع …لكن كان يتم كفالة أسر كاملة دون اعلانات أو استعراضات…
نعم …كانت البركة والسعادة تعم بحلول الشهرالكريم … رمضان كريم