محمد محمود عيسى يكتب : أزهار منسية

كانت تختال وسط الحدائق وكأنها تمتلك الطبيعة كلها، حينما تضحك فكأن الدنيا كلها تضحك معها، تضحك وتتحدث في وقت واحد ولا تملك إلا أن تسمعها مهما كان موضوع الحديث كل ما يشغلك هو ألا تتوقف عن الكلام، المهم أن تتحدث في كل شيء وأي شيء، تسعى جاهدا أن ينقطع حديثها بتلك الضحكة الجميلة العجيبة المميزة والتي كأنها قطع من حبات الفاكهة تزين قالبا من الحلوى، أينما حلت حلت السعادة معها واينما تواجدت تواجد معها الشعور بالحياة والجمال. تمتلك حديقتها كما تمتلك حياتها، وتتنقل بين الأشجار كما تتنقل بين البشر، الكل يسعى أن يتقرب منها وكأنها نور يجذب الفراشات، كل أشجار الحديقة تمنت أن تقترن بها، أو حتى تتقرب منها، بجمالها وحيويتها ألغت كبرياء الجميع
أحدهم قال بأنه أحبها، وأفاض في وصفها، قال بأنه كان يذهب ليقابها، قال بأنها كانت تنتظره، قال بأنها كانت تودعه بالدموع، قال بأنها كانت تتمناه، لكنه كان يتحدث من فمه فقط لم يكن يتحدث من قلبه، كان يتحدث عنها بفخر واستعلاء، كان يتحدث عنها بلسانه فقط، لم تكن روحه معه وهو يتحدث عنها
كانت تختلس بعض الأوقات وتخرج من حديقتها خفية، وتذهب حيث تعمل، كان تعمل في مصنع للحلوى، ولا تدري أهي مصادفة أن الأزهار تصنع الحلوى، أم أن السكر قد قطع عهدا مع الحياة أن يقتسم نصيبه في الأزهار
في المصنع تعرفت على أحلام زميلتها في العمل
كانت أحلام ناقمة على الحياة رافضة لكل شيء فيها، ومع الوقت تحول رفضها إلى خيانة، خيانة لكل شيء خيانة لزوجها، خيانة لنفسها، خيانة للحياة التي تعيشها
ولا تسأل كيف تلتقي الأزهار مع الأحلام فالحياة لها معادلات رياضية خاصة بها لا تخضع لقانون او منطق أو لعل الأحلام كانت تغتسل وتتطهر بصداقتها بالأزهار
مرت الأيام والشهور والسنين، وفي معادلة رياضية مقلوبة، ووفق قوانين الحياة الخاطئة، تزوجت الأزهار ولم تعد تعمل في صناعة الحلوى، وتبخرت عهود السكر في أن يظل رفيقا للأزهار
قررت أن تخرج من حديقتها وتواجه الحياة، وقبل أن تخرج تركت في حديقتها ضحكتها ونضارتها وحيويتها، قبل أن تخرج من حديقتها تركت فيها الحياة
وخرجت إلى الحياة بدون حياة، وتقلبت في تجارب القسوة والألم، كلما حاولت أن تقف في وجه الأقدار لعلها تختار قدرا يناسبها أو حتى يعوضها وجدت أبواب أقدارها مغلقة
حاولت أن تلملم ما تبقى من جراحها، وتجاربها، حاولت أن تتوضأ وتصلي صوب حديقتها، حاولت أن تبحث في داخلها عن أي شيء تبقى منها. حاولت أن تتحرر من حياتها الجديدة، حاولت أن تعود إلى حياة الطبيعة مرة أخرى، حاولت أن تفتش في ذاكرة الأيام ولكن كل ما وجدته نسيان