دكتورة إيمان إبراهيم تكتب: كونى أنتِ
لأنني أنثى مثلك وافهمك وأعي ما يدور بخلجات نفسك، أكتب اليكِ كلماتي هذه لأخاطب روحك الدفينة التي أصابها الوهن، وغطاها صدأ الأنين، الذى جعل منك مجرد آلة تتحرك وفق احتياجات الآخرين، وتتناسى كافة حقوقها لاسيما الحقوق المعنوية، التي تدعمك على مواصلة الرحلة، لأنها بمثابة الوقود الذى يعينك على القيام بدورك تجاه نفسك وأسرتك وجميع من حولك، وتجاهلها يجعلكِ منهكة ومثقلة بالهموم وعندها ربما تفقدين الرغبة في العطاء.
فحذارٍ حذارٍ أن تقطني قطار التنازلات التي ينجم عنها جُل التضحيات، على أمل إدراك محطة الوصول، فأنتِ لم تخلقي لمن حولك فقط، بل خلقتي لتكوني مسؤولة عن نفسك أولًا ومن ثًمًّ تكوني مسؤولة عن الآخرين، هذا ليس معناه إطلاقًا أن تتجاهلي وتنكري دورك الأساسي كأبنة وزوجة وأم…، ولكن عليكِ بالعدل وإعطاء كل ذي حقٍ حقه، وحقك مسؤوليتك.
فهو لا يقل أهمية عن حقوق من حولك ولا يتعارض معها، فلا تسمحي لأحد كائنٍ من كان أن ينكر هذا الحق، لأن الحقوق عند إنكارها تنتزع ولا توهب، لأن التنازل عنها وعدم انتزاعها ربما يُولِد لديكي الشعور بالقهر الذى يجعلك مكبلة بخيابات الأمل والإحباط.
ليس لأن ما تقدميه لم يصادف أهله، ولكن لأنكِ وأدتِ أو أجلتِ حقك، وكل ما تحتاجين إليه من الأشياء التي تشعرك بأنكِ ما زلتي على قيد الحياة، متوهمة أن محطة الوصول قد اقتربت، وبانتظارك من يكرمك على ما قدمتيه لهم من تضحيات بكل ودٍ وسخاء، وفى المقابل تجاهلتِ أن ما تريدينه وتحتاجين إليه اليوم ويسعدك، ربما تفقدين رغبتك وشغفك بل واحتياجك إليه في الغد، فالنفس كالطفل تتغير احتياجاتها بتغير مراحل العمر.
فلا تنصتي عزيزتي الأنثى لمن يقول لكى أنتِ كالشمعة تحترق من أجل إسعاد الآخرين، لأنكِ ربما تتحولين للنقيض يومًا ما، وتكوني الشمعة التي احرقت نفسها ومن حولها، عندما ينشغل جميع من حولك بحياته الخاصة، أو يواجه ما قدمتيه بالجحود والنكران، وفقًا لرؤيتك التي ربما لا يراها سواكِ، لأنكِ تطالبينهم أن يدورا في فلك إرضائك والتضحية من أجلك، وهم لا طاقة لهم بذلك، لأنكِ مجرد جزء من حياتهم وليس كل حياتهم كما كانوا بالنسبة لكِ، ربما ليس جحودًا منهم بل ربما بسبب ضغوط واعباء الحياة المختلفة.
ومن هنا عليكِ أن تعي أهمية تنظم حياتك، وأن تضعي نفسك ضمن أولوياتك، ويكن لكِ قسط شخصي من هذه الأولويات، لتلبية احتياجاتك على كافة الأصعدة، لمزاولة ما تريدينه وتحتاجين اليه.
فلا تتناسى حق نفسك عليكِ، ظننًا منكِ أنكِ خلقتِ لمجرد التضحيات، حتى لا تعيشي في دائرة جلد الذات بشكل يجعلك تسأمي الحياة، وتحولي حياتك ومن حولك إلى جحيم، عند عدم حصولك على نفس القدر الذى قدمتيه لهم من التضحيات، فهيا انهضي ولا تحزني واخرجى لآلاء ربكِ، ونقبى عن شواطئك المنسية، وعيشي كطفلةٍ رقيقة جميلة مهما تقدم بك العمر، فما أرهف قلبك الحاني عندما يفيض حبًا وسخاءً، فقد آن الأوان أن تنظري لنفسك بعينٍ حالمة وتحبيها كما أحبك وتكوني انتِ.