حازم عبده يكتب : من رحم الزلزال

على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على الزلزال المدمر الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا إلا إنني مازلت في حالة صدمة وذهول، كيف بات الإنسان آمناً مطمئاً متعاظماً متفاخراً مختالاً فخوراً، ينظر إلى جنته وما امتلكت يمينه ويقول: “ما أظن أن تبيد هذه أبداً” فإذا به يقلب كفيه على ما أنفق فيها، هذا إن كان مازال على قيد الحياة ولم يبتلعه ركام برجه الذي شيده أو منتجعه الذي صنعه على عينه.
ما أضعفك أيها الإنسان، وما أوهنك أيتها الدنيا، كيف لم ندرك أنك لا تساوين جناح بعوضة، كم تساوي الأرض بالنسبة للمجموعة الشمسية، كم تساوي بالنسبة لمجرة درب التبانة، كم تساوي بالنسبة لملايين أو مليارات المجرات، كم تساوي بالنسبة للكون الفسيح الذي لا قدرة لبشر على استيعاب اتساعه، إنها بجبالها ومحيطاتها وبحارها وملياراتها الثمانية من البشر، وما يمتلكه سفاحوها ودجالوها من دبابات وغواصات وطائرات وعربات وأسلحة دمار شامل ونصف شامل، لا تعدو مثقال ذرة غبار في هذا الكون الفسيح.
لنا أن نتخيل أن الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجة بمقياس ريختر واستمر لـ 65 ثانية، وضرب فقط هذه البقعة من جنوب تركيا وشمال سوريا، تولدت عنه طاقة تعادل الطاقة الناتجة عن 500 قنبلة نووية، بحسب مدير إدارة الكوارث التركية، فما بالنا لو طالت فترة الزلزال أو طال الزلزال مناطق أوسع أو انتفض زلزال في كل قارة بالقوة نفسها.
الأغرب أن العالم بكل ما أوتي من علم مكنه من معرفة فيما تفكر عجوز عقيم في شعب سحيق في الصحراء الأفريقية الكبرى، وعد أنفاسنا في بيوتنا، عجز عن التنبؤ بهذا المارد الذي باغت الناس وهم نيام في جوف الليل. فهل نحن نعيش في وهم العلم، ووهم التقدم أم ما أوتينا من العلم إلا قليلا “حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ”
والأشد غرابة أنه لا الزلزال المدمر ولا العواصف التي تضرب نيوزيلندا وشواطىء أمريكا كانت عبرة لوقف حرب أو تهدئة اقتتال لا في بلاد المسلمين ولا غيرهم في الحرب الروسية الأوكرانية، ما أعجبك أيها الإنسان.”قُتِلَ الْإِنسَانُ …”
من رحم الزلزال خرج أحياء رضع وشيوخ وعجائز وأكثر من أربعين ألف جثة، وتشرد أكثر من 35 مليون إنسان وأصبحت الناطحات والأبراج أكواماً من التراب، وصارت المنتجعات والقرى والمدن أثراً بعد عين، من رحم الزلزال خرج الموت ليقول لنا أينما تكونوا سأدرككم ولو كنتم في بروج مشيدة.
العاقل من اعتبر بآيات الله في ملكه وفي خلقه، العاقل يتذكر قبل أن يطغى ويتجبر،العاقل من لا ينتظر حتى يكون هو العبرة لغيرة، فما أقصر الحياة، وما أوهنها، فلنفكر ألف مرة قبل أن نظلم أنفسنا أو نظلم غيرنا .
اللهم ارحم إخواننا الذي قضوا في الزلزال في تركيا وسوريا، واشف مصابهم، واربط على قلب مكلومهم، وارحم مشردهم في هذا العراء، وقنا شر الكوارث والزلازل والمحن.