خالد اسماعيل يكتب: جلاء الطيرى ..كاتبة “موهوبة” من الصعيد الأعلى

الشاعرالكبير”عزت الطيرى “مشهورومعروف فى مصروالوطن العربى كله ،متعه الله بالصحة والعافية ،وشاء المولى عز وجل أن يرزقه بطفلة أسماها “جلاء “فأصبحت الطفلة وأمست ،فى بيئة مثقفة ،متعلمة ،وكان جدها ـ رحمه الله ـ واحدا من رجال التعليم الرواد فى “نجع حمادى ” والصعيد الأعلى ،ولأن “جلاء عزت الطيرى ” ابنة شاعركبير،كانت محظوظة بمكتبة والدها الغنية بالأعمال الأدبية ،والفكرية ، وواصلت “جلاء عزت الطيرى ” المسيرة ، وأصبحت شابة تحب القراءة والكتابة ، وفى العام 1998 ،قابلتها مع والدها فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ،وحدثنى حديثه الضاحك المعتاد ،وأثنى على مجموعتى القصصية “درب النصارى ” وقال لى فيما بعد وكتب على حسابه الشخصى فى “فيس بوك” إنه قرأ بعض قصصى للسيدة والدته فأعجبها الكلام ومدحتنى مديحا طيبا ،وكانت “جلاء” مبتسمة ،ثم أخبرتنى بأنها تكتب القصة القصيرة ، ولديها طموح لدخول عالم الرواية ،ودارت الأيام ،ومرت الأيام ، وأرسلت لى “جلاء الطيرى ” مجموعة قصص لها عنوانها “وشم أزرق”ـ قيد النشرـ وكان القصد معرفة رأيى المتواضع فى القصص ، وخصصت وقتا للقراءة ، لأننى شعرت بالمسئولية ، هى تريد معرفة رأيى ، وأنا وعدتها ،بأن أقرأ وأخبرها بوجهة نظرى ، وكانت المفاجأة الرائعة ، .. لقد تمكنت “جلاء الطيرى ” من أدواتها ، وامتلكت لغة خاصة ، وجرأة كبيرة ،ووعيا تقدميا راقيا ، قالت فى القصص ـ العذبة اللغة والسرد ـ كل شىء عن المرأة فى الصعيد الأعلى ،روت مظالم النساء فى نجوع الصعيد ، وبجمال فائق سردت سيرة الأعراق التى تعيش فى هذه المنطقة القديمة ،ولعل القارىء يندهش من قولى “سيرة الأعراق”، ولاداعى للدهشة ، لأن هناك تراتبا طبقيا وعرقيا فى الصعيد ، بين “العرب ” و”الغجر” أو ” الحلب ” ، وبين “الهوارة ” و”الأشراف ” ، وتزداد الحدة فى “قنا “،والكاتب الوحيد الذى اقترب من جوهر هذا التراتب “يحيى الطاهر عبدالله “، حكى فى قصة من قصصه الرائعة ، حكاية “صول بوليس ” ينتمى إلى طائفة ” الجمسة ” تزوج من امرأة تنتمى إلى طائفة ” البحاروة”،واكتشفت عائلتها الخديعة بعد فوات الأوان ،وهنا أقول إن “جلاء الطيرى ” حققت المعادلة الصعبة ، قدمت مجتمعها القاهرالقاسى بكل تفاصيله ، بصدق ووعى ،ومن القصص التى أدهشتنى ،قصة “وشم أزرق”، وملخصها أن فتاة تعرضت للتحرش من ذئب بشرى ،قبل زواجها ، وتزوجت وأنجبت طفلها الأول ، ولكن “العقدة ” الناتجة عن الخبرة المؤلمة التى تعرضت لها ،جعلتها غيرقادرة على منح ثديها للرضيع ،لأنها لم تستطع تذويب آثارالعقدة القديمة ، التى تسبب فيها الذئب البشرى الذى قبض على ثديها فى زمن مضى ،وقصة أخرى تحكى عن “العانس والمجذوب”،والقهرالجنسى الذى تتعرض له المرأة فى هذه المناطق الذكورية التى تقهرالمرأة وتتعامل معها باعتبارها شيئا يملكه الرجل ،له حق التصرف فيه ،وقصة العانس والمجذوب ، تكمن روعتها فى وضوح الرؤية لدى الكاتبة ـ المبدعة جلاء الطيرى ـ التى عبرت عن واقع تعيشه فتاة فاتها قطار الزواج ، ووجدت فى المجذوب فاقد التمييز ، الذكرالبديل ،وكذلك قصة “النعجة تدخل فيس بوك”، فيها رؤية عميقة لحالة العشق الإلكترونى الذى عرفته مجتمعاتنا العربية ، وهوعشق مرتبط بشبكة الانترنت التى سهلت التواصل وكسرت القيود والحواجز،وخلقت انهيارات فى البيوت العربية ـ التى تعانى من الجفاف العاطفى ،وبرود العلاقات الزوجية ،وفى النهاية أقول ،لقد نجحت الكاتبة الموهوبة “جلاء الطيرى ” فى أن تكون القاصة المبدعة ، حاملة الرؤية التقدمية ، ونجحت فى التعبير بعمق وصدق عن أزمات وهموم مجتمع الصعيد ،وفى القلب منه “المرأة ” التى مازالت تعانى من الأعراف القاسية والعادات القاسية ، ونجحت فى تقديم “الثقافة الشعبية ” للصعيد الأعلى ، من عادات ومعتقدات وثقافة مادية ،ورقص وغناء ، ورسمت صورة غنية بالتفاصيل الجميلة ،ومرة أخرى أشكرالشاعرالكبير”عزت الطيرى ” على هديته لنا ، ابنته الكاتبة الموهوبة “جلاء الطيرى ” التى ننتظرمنها المزيد من القصص والروايات والرؤى التقدمية الفارقة ،وأقول للكاتبة ـ جلاء الطيرى ـ واصلى طريقك واقبضى على حلم الكتابة والإبداع وكونى صلبة قوية لأن أشباه الرجال وأشباه النقاد لن يسمحوا بمرورك آمنة ،فاستعدى للقتال ..