حسن الشايب يكتب: فوضى تداول الأغذية في مصر (3)

تساءلت في مقال سابق: هل لدينا القوانين والقرارات اللازمة لضمان توفير غذاء آمن وصحي للشعب المصري وردع المخالفين من موردي وتجار الأغذية المغشوشة والفاسدة التي تدمر أغلى ما نملك وهو ثروتنا البشرية؟.
وبالطبع لا حاجة لي لانتظار الإجابة من أحد، سواء من الحكومة التي لديها العديد من الأجهزة والهيئات المعنية بالغذاء، وآخرها ما يُسمى الهيئة المصرية لسلامة الغذاء، أو من عشرات الأجهزة الرقابية التي ضعُف دورها وتأثيرها كثيرا في الحد من فوضى تداول وبيع الأغذية الفاسدة والمغشوشة والمقلدة ، فكلنا يعلم يقينا إن تصنيع وتعبئة وتداول الأغذية في مصر لا يسرُّ عدوا ولا صديقا، فالناس يتعاملون مع الأغذية بنوع من الفوضى والاستهتار واللامبالاة كغيرها من الأمور الأخرى التي لا تسأل عن شرعيتها أو القوانين والإجراءات المنظمة لها.
فأنا شخصيا يمكن أن أستيقظ صباحا وأقرر فجأة استئجار محل أو حتى تحويل غرفة من شقتي إلى محل بقالة أو سوبر ماركت أو مخزن للمواد الغذائية، ثم أشتري بضائع ومواد غذائية مجهولة المصدر أو مغشوشة أو مقلدة بماركات عالمية، ثم أعرضها للبيع دون رقيب أو حسيب، طالما لا توجد رقابة أو تفتيش أو متابعة لأية أنشطة دون ترخيص، كما لا يُوجد قانون صارم أو عقوبة قاسية تردع من يتم كشفه وضبطه ، وإن كنت أشك في ذلك لضعف الرقابة من جهة ولسلبية ولامبالاة المواطنين أنفسهم والذين يشاهدون مختلف أنواع المخالفات ليل نهار في حياتهم اليومية ولا يعيرونها اهتماما، ولسان حالهم يقول (وأنا مالي .. خلِّيني في حالي).
وليس مهما وأنا أمارس نشاطي في بيع وتداول المواد الغذائية، أن أكون حاملا لشهادة صحية تثبت خلوِّي من الأمراض المعدية والوبائية، أو أن تكون المنشأة الغذائية نظيفة ومطابقة للاشتراطات الصحية، أو إن أدوات وأواني الطهي في المطاعم سليمة وغير ناقلة للأمراض الخطيرة أو حتى العادية، فهذه على ما يبدو أصبحت أمورا هامشية طالما اعتدنا رؤية كل أنواع المخالفات الغذائية وكأنها مسلَّمات نقبلها كما هي ولا يمكننا كمواطنين تغييرها ، فكل ما يشغلنا هو الحصول على إشباع بطوننا الجائعة بأي طعام يُقدَّم لنا بأية طريقة حتى لو كانت غير صحية بالمرة!
وما يغفل أو يتغافل عنه كثيرون هو خطورة الغذاء غير الصحي على سلامة وصحة الإنسان، ليس في المدى المنظور، وإنما في المدى البعيد وربما بعد سنوات طويلة، حيث يتسبب الغذاء غير الصحي في حدوث العديد من الأمراض والخطيرة ومن بينها السرطان، فطبقًا لدراسة صادرة عن المعهد القومي للأورام التابع لوزارة التعليم العالي، يوجد نحو 124 ألف مريض أورام في مصر. وتشير دراسة نشرتها الجمعية الدولية لمكافحة الأورام خلال مؤتمرها السنوي العاشر عام 2018 إلى أن مصر تسجل 13 إصابة بمرض السرطان بأنواعه المختلفة كل ساعة، وتوقع هشام الغزالى، أستاذ علاج الأورام بكلية طب جامعة عين شمس، زيادة عدد المصابين بالمرض الفتاك إلى 350 ألف حالة بحلول عام 2050
هذا الارتفاع الكبير في نسب الإصابة بالأورام السرطانية في مصر – كما يرى خبراء مختصون- سببها انتشار الملوثات البيئية والأنماط الغذائية غير الصحية، والتي تشمل وجود بعض المبيدات والمواد المسرطنة التي تستخدم في الزراعة أو إنتاج المواد الغذائية، وبعض المواد الضارة بالصحة التي تستخدم في صناعة الأغذية في مصر. (موقع بي بي سي العربي- 23 فبراير 2021).
كما لا بد أن نعترف بوجود مشكلات كبيرة تتعلق بضعف الرقابة وممارسة الغش التجاري من “مافيا الأغذية” الذين يملأون الأسواق المصرية بالسلع رخيصة الثمن قليلة الجودة، والتي تشهد رواجًا كبيرا بسبب زيادة نسبة الفقر والغلاء الفاحش والمتسارع لأسعار السلع خلال الفترات الأخيرة، والتي يستغلها ضعاف النفوس أسوأ استغلال، في غياب أو تغييب الضمير والأخلاق والوازع الديني رغم إن أمثال هؤلاء الجشعين والمستغلين هم أكثر من يحدثك في الدين وإنهم يتعاملون بما يرضي الله وسبحانه أعلم بهم وبأفعالهم وسيحاسبهم يوم تُنصب الموازين بالقسط ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومن الوقائع الغريبة التي تم تداولها مؤخرا عبر بعضمواقع التواصل الاجتماعي، عن مقطع فيديو أثار كثيرا من الجدل لعملية ضبط مصنع غير مرخص بمحافظة الغربية يقوم بإنتاج الشاي ومشروب قهوة شهير (نسكافيه) من مواد مجهولة، عبارة عن بودرة السيراميك!
ورغم نفي السلطات المصرية صحة أو إمكانية استخدام بودرة السيراميك في الشاي والقهوة لعدم ذوبانها، ريثما تصدر نتيجة تحليل العينات من المعمل المختص، إلا أنها أكدت ضبط كميات كبيرة من المواد المغشوشة والمقلدة ومنتهية الصلاحية داخل المصنع غير المرخص ، والذي تم إحالة صاحبه إلى النيابة للتحقيق.
أتمنى أن تقوم الأجهزة المختصة بالدولة بدورها في تطبيق القوانين والقرارات المتعلقة بالمواد الغذائية بكل قوة وعنف ودون شفقة أو رحمة، وعدم السماح بممارسة نشاط بيع وتداول الأغذية دون ترخيص، وكما تم تحقيق نجاح كبير في قضية مخالفات البناء بدون ترخيص وهدم وإزالة المباني المخالفة، أيضا لا بد من ردع مخالفي بيع وتداول الأغذية، فخطورة الأغذية الفاسدة وغير الصحية لا يقل خطورة عن خطورة المباني غير المرخصة، فكلاهما يهدد حياة المصريين!.
>