أحمد عبد المقصود يكتب : عزوف المستثمرين السياحيين !

هجرة الأيدي العاملة وغلق بعض الفنادق، وعزوف المستثمرين السياحيين عن ضخ استثمارات جديده ،وتحديات اخرى كثيره تواجه إستراتجية وزارة السياحة والاثار بجلب ٣٠ مليون سائح.
ولكن قبل الحديث عن هذه التحديات دعونا نتفق في البداية ان مصرنا الجميله لم تحصل طوال تاريخها السياحي الطويل علي حقها الطبيعي من حركة السياحة العالمية وان امكانياتها التي حباها الله بها تستحق ان تتربع علي عرش السياحة العالمية ودون منافس، ولكن للاسف طوال تاريخها لم تحصل علي نصيبها العادل من كعكة السياحة العالمية وأكتفت فقط بنسبة بسيطة مخجله من حركة السياحة الدوليه.
وبصراحة كنا نتوقع من القائمين علي ملف السياحة في مصر ان يضعوا أيديهم علي مواطن الخلل ويرصدوا بدقة الأسباب الحقيقية وراء عدم تمكنا من تحقيق معدلات سياحية مرتفعه،
الحلم بجلب ٣٠ مليون سائح ليس بالمستحيل علي الإطلاق ،ولكنه يحتاج الي ان نكون أكثر واقعية وان ننظر بتجرد لأحوال قطاع السياحة في مصر، والتي اصبح يعلمها الجميع ، فهو قطاع وصل إلي حالة تدعو الي الشفقة والرثاء ، جراء معاناة غير مسبوقة استمرت سنوات طويلة، منذ ثورة يناير ٢٠١١ وحتي انتهاء أزمة فيروس كوفيد-١٩ كورونا.
أزمة خلفت فنادق وقرى سياحية متهالكة، عجز أصحابها في ظل تراجع الايرادات السياحية الي أرقام غير مسبوقة، عن تجديد فنادقهم وتطويرها فأصبحت خارج المنافسة، ومنهم من أثر السلامة وأنسحب من الميدان وأغلق فندقه ” بالضبه والمفتاح ” وهذا ما اشار اليه وزير السياحة عن توقف حوالي ٥٠٪ من الفنادق العائمة بالأقصر وأسوان ، وكذلك الحال في المدن السياحية الأخرى المطلة علي البحر الاحمر ، وكنت أتمني ان تقوم وزارة السياحة بتشكيل لجنة لحصر الفنادق المغلقة بشرم الشيخ والغردقة ومرسي علم التي ايضا بها العديد من الفنادق المغلقة.
هذا الوضع أنعكس سلبيا علي تراجع الجوده والخدمات في الفنادق بشكل كبير أثرت علي صورتنا الذهنية لدي السائحين والتي من السهل متابعتها ورصدها علي المواقع الرئيسية مثل، تريب ادفيزور وهوليداي تشيك ، والتي أثرت بشكل مباشر علي اسعار المقصد السياحى المصرى والتي وصلت إلي أرقام ضئيلة تدعوا الي الخجل في بعض الأحيان.
ولعل أكثر ما تسببت فيه ازمات السياحة المختلفة هي الهروب الكبير للعاملين بالسياحة الذين عانوا بشكل مؤلم بعد تخفيض رواتبهم أو تسريحهم بشكل مخجل نتيجة لعدم وجود إشغالات او أية ايرادات تعين شركات الاداره علي سداد مستحقاتهم، ورغم قيام الحكومة بإتخاذ بعض الإجراءات لتخفيف المعاناة عنهم بصرف جزء من مرتباتهم ، إلا أنها بطبيعة الحال لم تكن لتكفي لإعالة أسرهم ، فاضطروا الي البحث عن فرص عمل أكثر استقرارا وآمنا.
ومنهم أيضا من لبي نداء دول الخليج الناشئة في قطاع السياحة وهاجر إليها لينقل إليهم خبراته مقابل الحصول علي مميزات ومرتبات لم يكن يحصل عليها في مصر.
واذا كان ملف العماله والفنادق المتهالكة والمغلفة، يحتاج إلي حلول سريعه ، فإن ملف المستثمرين السياحين يحتاج إلى دراسة برؤية مجرده تحكمها فقط مصلحة الدولة واستراتيجيتها ، لان صناعة السياحة بجميع مكوناتها ومدخلاتها تعتمد علي القطاع الخاص ، فهو اللاعب الرئيسى في تلك الصناعة، وهو من تحمل سنوات الأزمة الطويلة وتحمل أعباءها كامله،
وهو ايضا الذي سيقوم بضخ الاستثمارات اللازمة لبناء الفنادق والقرى السياحية لنتمكن من زيادة الحركة السياحية وفقا لما هو مخطط ،
والسؤال الان هل القطاع الخاص لديه القدره أو الرغبه علي ضخ أستثمارات جديده في قطاع السياحة؟
الإجابة ترصدها حركة الاستثمارات السياحية خلال السنوات الماضية والتي تبدوا انها شبه متوقفه تماما ، بسبب الأزمات المالية المتتالية التي تعرض لها المستثمرين خلال سنوات الماضية نتيجة لتراجع الحركة السياحية الوافدة ، حيث ان الأمر لم يتوقف فقط علي عدم توافر المقدره المالية لبناء غرف جديده فقط ، بل إمتد الي التوقف تماما عن اجراء التجديدات اللازمة للمنشأة.
ويتضح عزوف المستثمرين ايضا من ضعف الإقبال علي اراضي الهيئة العامه للتنمية السياحية والمطروحة بكافة مقاصد مصر السياحية دون أستثناء.
وأقول هنا ان القطاع الخاص السياحى له كل العذر في هذا العزوف فقد عاني ومازال يعاني من سداد فواتير سنوات الأزمة ، ولذلك لابد من دراسة حال الاستثمار السياحي بكل حيادية وإصدار مجموعه من القرارات الميسرة لتحفيز المستثمرين وتشجيعهم علي ضخ المزيد من الاستثمارات ، وهذا لن يحدث إلا بمساندة الدوله لهم بمد يد العون والمسانده والتيسيرات ، والتي يجب ان تكون قرارات غير مسبوقه وجريئه تشعر القطاع الخاص انه شريكا بالتنمية وليس فقط مصدرا لتوريد الاموال للخزانه العامه للدوله.
واذا نجحنا في خلق بيئة ايجابية حاضنه للمستثمر المصرى، فإن هذا سوف يؤدي حتما الي اقبال المستثمرين الأجانب علي زيادة استثماراتهم في قطاع السياحة وبناء الالاف من الغرف الفندقية والمنشأت السياحية مما يؤدي الي توفير المزيد من فرص العمل لأبناء الشعب المصرى.
مصر استطاعت ان تتقدم خلال السنوات الماضية في العديد من المجالات واصبح لديها بنية اساسية ومشروعات عملاقة لم تحدث من قبل ، ولم يتبقي فقط غير ان ننهض بقطاع السياحة ، فهو القطاع الوحيد القادر علي توفير احتياجات الدوله من العملات الأجنبية في وقت قصير ،ولكنه يحتاج فقط إلي المزيد من المسانده والدعم والتيسيرات والتوقف تماما عن فرض أية اعباء جديده لم يعد يتحملها.