مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : إيران.. بعيون عراقية وعربية

في نهاية العام المنصرم، التقي وفد إعلامي مصري مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وكان من أهم ذكره في حواره للإعلاميين المصريين أن العراق جاد في التقريب بين إيران والدول العربية المختلفة معها، وحسب تعبيره، وردا علي سؤال ما إذا كانت إيران تهيمن علي العراق، فقال إن هناك علاقة جيرة طبيعية بين البلدين، فالحدود تمتد لنحو ١٢٠٠ كيلو متر ومشتركات دينية واجتماعية وعشائرية ، وإن المعارضة العراقية التي حكمت العراق بعد ٢٠٠٣ كانت مقيمة في لإيران التي رفضت آنذاك الاحتلال الأمريكي للعراق، في حين أن بعض الدول العربية رحبت بالتدخلات الأمريكية واحتلالها لبلاده، وأضاف: “للأسف فالدول العربية اصطفت ضد العراق في حين كانت إيران هي التي ساعدتنا”.

معلوم أن العلاقات بين العراق وإيران تمر بمراحل شد وجذب، رغم العناصر التي تربط البلدين وأهما العامل الديني في الشق الشيعي، وهذا هو سبب الهيمنة الإيرانية علي مجمل الأمور السياسية والاقتصادية بالعراق حتى وقت قريب لما قبل عهد رئيس الوزراء الأسبق مصطفي الكاظمي.

محمد شياع السوداني أكد في الحوار المهم أن إيران دولة صديقة للعراق ودعمتها في أحلك الظروف، وأن إيران فتحت مخازنها العسكرية وأمدت بلاده بأسلحة وذخيرة لتحارب بها “داعش” عندما سيطرت علي أجزاء كبيرة من بلاده. وهنا يتوقف السوداني قليلا ليذكر الوفد الإعلامي المصري أن كل سياسي ومواطن عراقي لا يمكن ان يتجاهل هذا الدعم الإيراني للعراق وقت حربها الشرسة ضد “داعش” وأعوانها.

رئيس الوزراء العراقي ذكر أيضا في حواره أن بلاده وهي تمتن لإيران في دعم العراق ولكنها القرار العراقي تحدده المصلحة العراقية وارتباطاتها الإقليمية، فمصلحة العراق هي المقام الأول..وهنا أفصح محمد شياع السوداني عن دوره في عملية تقريب وجهات النظر بين إيران والدول العربية المختلفة معها وعلي رأسها دول الخليج، فهو لم ينكر القيام بدور الوساطة، من منطلق أن هذا هو دور العراق لأن ذلك ضرورة تمليها الظروف الآنية في المنطقة، فإيران دولة إقليمية صعب تجاهلها وكذلك تركيا، ولهذا كشف المسئول العراقي نيته عن ترتيب لقاءات بين أطراف عربية وأخرى إيرانية علي مستوي الوزراء، فالقرار العربي في الوقت الراهن يتجه نحو الاستقرار والتنمية، ولم ينس السوداني التذكير بأن وزير الخارجية الإيراني التقي بعض نظرائه العرب علي هامش الدورة الثانية لـ(مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة) بالأردن.

إذن..العلاقات العربية الإيرانية يجب أن تكون طبيعية سياسيا واقتصاديا، بحكم التاريخ والجغرافيا والحدود المشتركة، حتى الاختلاف المذهبي لا يجب أن يكون عائقا أمام أي تقارب بين الطرفين، فثمة حوار الحضارات والأديان السماوية، فما بالنا إذا كنا نتحدث عن أبناء الدين الواحد.

لم يمر سوي أيام قليلة على تصريحات رئيس الوزراء العراقي للوفد الإعلامي المصري، لتلتقط إيران الخيط وتعيد توجيه إشارات سعيا لـ”تعزيز العلاقات”مع مصر، ورحب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بمقترح محمد شياع السوداني الذي يهدف إلى إطلاق حوار بين القاهرة وطهران وبدء مباحثات إيرانية – مصرية على المستويين الأمني والسياسي، ما يؤدي إلى تعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة، والأمر المؤكد أن المسئول الإيراني رحب بالفكرة. ولم يتكتم عبد اللهيان ما دار بينه وبين رئيس الوزراء العراقي الذي وعهده باتخاذ إجراءات بهذا الشأن خلال الأسابيع المقبلة، وأنه سيواصل متابعة هذا الموضوع تماشيا مع دور العراق الإقليمي للمساعدة في تعزيز الحوار والتعاون.

ليس غريبا أن نري إيران تسعي لاستئناف العلاقات مع مصر على غرار مساع تركية في الوقت الراهن ، طبيعي أن تستغل إيران مشاركتها في قمة (بغداد 2)، التي عقدت مؤخرا في الأردن، لإرسال رسالة مفادها أنها منفتحة على مصر بوجه خاص، وعلى الإقليم بوجه عام.. حتى في ظل ما يراه البعض – وهو خطأ بالمناسبة – أن مصر تربط علاقاتها مع إيران قياسا بعلاقات الخليج مع الدولة الفارسية، فعلاقات مصر تحددها مصالحها الإستراتيجية وليست مرهونة كما يدعي البعض انها تسير بخط مواز في العلاقات بين طهران ودول الخليج. ولهذا، فليس معقولا أن يدعي البعض أن المحاولات الإيرانية والتركية لاستئناف العلاقات مع مصر تستهدف كسر الإجماع العربي على كيفية إدارة العلاقات مع طهران، على غرار ما تفعله تركيا في الموضوع نفسه. ويزايد هؤلاء علي القرار المصري المستقل بقولهم إن إيران وتركيا تسعيان لخلخلة الموقف العربي الموحد، بتصريحات عن تحسن في العلاقات مع دولة ما، دون تغيير في جوهر سياساتهما تجاه المنطقة.

وبينما يتحدث رئيس الوزراء العراقي عن أمله في التقريب بين إيران والدول العربية والحديث الإيراني عن نية التقارب مع مصر ، تكشف تقارير صحفية أن بعض المشاورات تجري حاليا بشأن اجتماع تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية تنظيمه خلال يناير الجاري بهدف التقريب بي مواقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة والدول العربية التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل ومنها مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ودول خليجية أخرى، في إطار مساعي أمريكية لحض الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو على ضبط النفس في التعامل مع الداخل الفلسطيني.

الهدف الأمريكي من اللقاء المرتقب هو تكرار ما يسمي “قمة النقب” التي ضمت وزراء خارجية الإمارات، والمغرب، والولايات المتحدة، وإسرائيل، ومصر، والبحرين في مارس ٢٠٢٢، وتسعي واشنطن من ورائه تعزيز التعاون الإقليمي، مع طرح مجموعة من المشروعات الاقتصادية المعطلة منذ فترة، والتي من شأنها تعزيز التعاون بين دول المنطقة، فالهدف الأمريكي هو تفعيل التعاون بين الدول التي لديها علاقات رسمية مع إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى