مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: الفرق بين الخيبة والبجاحة

قد تكون التربيةُ أو ضعفُ الشخصية أو الظروف – كما ندّعي – هي السبب في إعطاء بعض التصرفات والسلوكيات أسماءً غيرَ أسمائها، كأن نُسميَ السلبيةَ حياءً، و نُسمي الجُبنَ احترامًا وأدبًا، ونُسميَ البُخلَ تدبيرًا وتوفيرًا.

ولكن باعتبارنا أمةً أُمِرت بالجهاد – جهاد العدو – والعدو يأتي في صور وهيئات متعددة، قد يكون مغتصبًا للأرض، وقد تكون نفسُك التي بين جنبيك، أو سلوكًا معوجًا أو فكرًا متخلفًا يرتدي رداء التشدد أحيانًا والحداثةَ أحيانًا أخرى، وجَبَ علينا الانتقادُ والتذكيرُ بالصحيح والصواب كما تعلمنا من ديننا ومن أهلنا.

فالانتقاد للكبير دون احترامٍ وتأدب ليس جرأةً وقوةَ شخصية، بل قلةَ أدب وعدمَ تربية، ولا يجب الثناءُ على شخصية ابني أو ابنتي إذا تجاوز الحدودَ مع الأكبر سِنًّا منه، واعتبارُ التبجح قوةَ شخصية، كما لا يجب الثناءُ على أدبِه وتربيته، إذا عجز عن إدارة حوار أو التعبير بحُرية عن رأيه _ في حدود الأدب _ لفظًا وسلوكًا.

هذا ما أراه بشكل صارخ اليوم في بيوتنا؛ حيث الوالدُ يُثني على تجاوز ابنه لفظًا باعتباره لا يخاف أحدًا وقويَّ الشخصية، وتُشبع الأمُّ ابنتَها مديحًا إذا لم تَرُد الأذى عن نفسِها أو لم تُبدِ رأيَها باعتبارها ملكةَ الحياء والأدب.

يا سادة، هذه ليست تربية، هذا جهل وخلط بيِّن، بين الخيبة والحياء، بين قوة الشخصية والبجاحة ، وهنا الكارثة، أتعلمون لماذا؟! لأن ابني أو ابنتي لم يعرفوا المفهومَ الأصيل للكلمة وتجاوزتْهم معانيها الحقيقية، فالحياءُ لا يحرمني أبدًا من إبداء رأيي والمطالبةِ بحقوقي حتى لو خالفتُ الحشد، والاحترامُ و الأدبُ لا يتعارضان مع قوة الشخصية.

لا تبتسم وابنُك الصغير يتجاوز حدودَه معك وتُبرر ذلك بأنه جريء و(فتوة) من يومه، ولا تفرحي بابنك عندما يُسأل عن ماذا يأكل أو يشرب ولا ينطق باعتبار ذلك أدبًا جمًّا وحياءً محمودًا!!

استوصوا بأطفالكم خيرًا وادعوا الله أن يُعينكم على تربيتهم تربيةً صالحة، ولا تتركوهم لمحتوياتٍ مقرؤة أو مسموعة أو مرئية يستقوا منها شخصيتهم وسلوكياتهم، أَجْهِدُوا أنفسَكم بالمتابعة الدقيقة والوقوف على كل كلمة لو تطلب الأمرُ ذلك، ليستقيم لسانُهم وتفكيرُهم، وانتهِزوا كلَّ الفرص لتعليمهم المعانيَ الحقيقيةَ للقِيَم، وتوضيح ما اختلط عليهم من لبس للمُسميات؛ فهم ميراثُكم الوحيد وأمانتُكم من ربِّ العالمين، وستُسْأَلُون.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"