مقالات الرأى
حسن الشايب يكتب: حياتي المعلَّقة بين السماء والأرض!
قبيل العام الجديد، تعطَّل بي المصعد “الأسانسير” أثناء نزولي من البيت لأداء صلاة الفجر، كان الهدوء والصمت يلفَّان أرجاء المبنى في ظل طقس بارد ومشاعر قلق وتوتر ازدادت مع مرور الثواني والدقائق دون أي استجابة من أحد لأصوات نداءاتي واستغاثاتي.
ماذا عساي أن أفعل وماذا سيكون مصيري وأنا حبيس الأسانسير ، ولسوء حظي لم أحمل معي هاتفي المحمول على غير عادتي حيث كان من الممكن الاتصال بمسؤول صيانة المبنى أو أحد جيراني أو حتى رقم طوارىء الشرطة، لإرسال رجال الدفاع المدني الذين يتدخلون للإنقاذ في مثل هذه الحالات؟!
مرّت عليَّ الثواني والدقائق داخل هذا الصندوق الصغير بطيئة وثقيلة وأنا معلَّق وحدي بين السماء والأرض، وحينها تذكرت فيلم المخرج الرائع صلاح أبوسيف “بين السماء والأرض” الذي تم عرضه عام 1959، والذي تدور أحداثه كلها داخل مصعد يتعطل وبداخله مجموعة من الأشخاص لا يعرفون بعضهم البعض، حيث تتصاعد الأحداث المثيرة بين أبطاله “هند رستم وعبدالسلام النابلسي وعبدالمنعم إبراهيم ومحمود المليجي” والذين كانوا يبحثون عن طريقة للنجاة من هذا المأزق الخطير.
ربما أنا أفضل حالا من أبطال هذا الفيلم، هكذا قلت لنفسي، وأنا أفكر في نهاية سريعة وآمنة لهذا الوضع المخيف الذي يحدث لي في وداع عام واستقبال عام جديد، وقلت ربما هي رسائل أو إشارات لمراجعة النفس وتنبيه الواحد منا لحقيقة الحياة الصغيرة والتي- مهما طالت – فهي كما ورد عن قصة ملك الموت مع سيدنا نوح أطول الأنبياء عمرا عليه السلام، عندما قال له ملك الموت: كيف وجدت الدنيا؟ قال وجدتها كـ دار لها بابان، دخلت من أحدهما، وخرجت من الآخر).
وبينما أنا غارق في أفكاري وتخيُّلاتي لما يمكن أن تكون عليه نهاية رحلتي داخل المصعد، أرسل الله إليَّ من يسمع ندائي ويتدخل لإنقاذي ، ولم تمض دقائق أخرى حتى وصل رجال الدفاع المدني وأخرجوني من المصعد بسلام .. بعدها مضى كل واحد من حضور الواقعة في سبيله وقد ينسونها سريعا وسط مشاغل حياتهم اليومية.. لكن بالنسبة لي لم تكن مجرد واقعة مررت بها، إنما هي لحظة فاصلة بين عامين وربما بين حياتيْن .
فهذه اللحظات الصعبة التي أمضيتها داخل المصعد تشبه إلى حد كبير رحلة الحياة القصيرة حيث الدخول من باب والخروج من باب آخر أو ربما من نفس الباب ولكن في طابق آخر !.
فالحمد لله الذي جعل لكل شيء قدراً، وجعل لكل قدرِ أجلاً، وجعل لكل أجل كتاباً.