مقالات الرأى

اللواء مروان مصطفى يكتب : لماذا تخلت ايران عن حسن نصرالله قبل اغتياله

بعدما حدث في لبنان .. وانهيار حزب الله بسبب فضيحة البيجر ونجاح اسرائيل في تصيد غالبية قياداته العليا والوسطى ، وتدمير مخازن اسلحته ، ومنصات اطلاق صواريخه .. جعلت الناس يتحدثون بانبهار وبخوف عن قوة اسرائيل ، وجيشها الذي قضى على أسطورة حزب الله في أيام معدودة وبلا خسائر تقريباً ، والقدرات التكنولوجية الهائلة لاجهزة استخباراتها التي جعلت شعوب العالم تنظر بحذر شديد لتليفوناتهم المحموله خوفاً من تفخيخها.
ونسيوا جميعاً أن مقاتلي حماس قد اذاقوهم الامرين ، وقتلوا واصابوا واسروا الكثيرين من جنودهم بأسلحة صنعوا معظمها بأيديهم ، ولخوف جيشهم الجرار من مواجهة رجال حماس وجها لوجه .. استخدموا طيرانهم في تدمير كل غزة ومنشآتها ومستشفياتها ومدارسها .
وحتي اجهزتها الاستخباراتية التي يتغنون بعظمة قدراتها اليوم…فشلت تماماً في التنبؤ أو التوقع أو حتي مواجهة هجوم ٧ أكتوبر.. بالرغم من ان حماس كانت تدرب مقاتليها علي الطائرات الشراعية جهاراً نهاراً في العراء وفي سماء غزة ، وتناسوا اليوم فشلهم المهين في العثور علي رهائنهم أو تحديد أماكنهم ، ورغماً عن المعدات المتقدمة ، والمسيرات الأمريكية والبريطانية التي تلتقط الاصوات في أعماق الأرض .. لم يتوصلوا الي السنوار وهوما سوف يتسبب في محاكمتهم جميعاً بعد انتهاء الحرب .
و اختلف الامر تماماً عند مواجهتهم مع حزب الله .. الذي انهارت جدرانه وحصونه الهشة في ايام قلائل بعد نجاح اسرائيل في تجنيد الكثير من الخونة والعملاء بداخل الحزب ( وبداخل ايران نفسها ) .. لقد استغلت اسرائيل هشاشة نظم التأمين ، وضعف عقيدة الاخلاص والانتماء لدي الكثيرون من ابناءه ،وحصلت بسهولة علي رصيد هائل من المعلومات السرية ، و قوائم دقيقة بأسماء ومناصب أغلب كوادر الحزب السياسية والعسكرية ، وعناوين منازلهم وشققهم واحداثياتها وانواع سيارتهم وارقامها ، واخترقت كل وسائل تواصلهم الداخلية والخارجية في غفلة تامة ، وجهل شديد بأبسط قواعد الحماية والتأمين الواجب توافرها في مثل هذا التنظيم الذي يسلحه ويموله ويدربه ويشرف عليه الحرس الثوري الايراني.
لقد تمكنت اسرائيل من فضح الحزب وكشفت للعالم وهم قوته .. بعدما تمكنت من بيع أجهزة لاسلكية وبيجر للحزب من خلال خطة ساذجة بأسماء شركات وهمية وخداع احدي الحسناوات الايطاليات التي اقنعتهم بشراء تلك الأجهزة بعد ان قاموا بتفخيخها .. وهو ما أدي الي مقتل واصابة اكثر من ٤٥٠٠ من قيادات وكوادر الحزب النشطة في دقائق معدودة ودون طلقة رصاص واحدة ( وطالت الفضيحة بالطبع الحرس الثوري الايراني الذي غفل عن التحري عن حقيقة الشركة الموردة ، واهمال فحص الأجهزة بدقة قبل استلامها وتوزيعها) .
وبغرابة شديدة ، وبجهل تام بأبجديات الحذر الامني الواجب .. قاموا بعقد اجتماع لقادة قوات الرضوان ( وهي قوات النخبة التي تمثل رأس حربة قوات الحزب ) وهو ما ادي لقيام اسرائيل بقصف موقع الاجتماع ، واستشهاد كل من فيه بمجرد قيام احد جواسيس اسرائيل المتغلغلين بالحزب بإخطارها ببدء الاجتماع واحداثيات مكانه .
واستمراراً لمسلسل السذاجة والهشاشة الأمنية .. يقوم السيد حسن نصر الله (والذي ظل مكانه سراً محفوظاً طيلة السنوات الماضية ) بعقد اجتماع مع القيادات التي لم يتم اغتيالها بعد ، وبحضور وفداً عسكرياً ايرانياً كبيراً (برئاسة نائب قائد فيلق القدس) للتباحث حول الصدمات التي تلقاها الحزب مؤخراً ، وبثقة زائدة عن الحدود قام نصر الله شخصياً باصطحابه في سيارته للاجتماع .. بالمقر بنفس المنطقة التي قصف فيها الاجتماع السابق .
وقالت مصادر فرنسية مطلعة ان عميلاً إيرانياً زرعته اسرائيل بالقرب من دوائر صنع القرار الايراني ..قدعلم بحكم موقعه بموعد الاجتماع ومكانه .. واسرع بتسريب تلك المعلومة الذهبية للموساد الاسرائيلي .. وقد قام أيضاً احد العملاء المتواجدين علي الارض بتأكيد نفس المعلومة .. حيث اتصلوا علي الفور بنتنياهو في أمريكا ليعطي موافقته علي القصف .
اما ايران .. فقد كان لها حسابات أخري .. فهي كعادتها الدائمة تخشي المواجهات المباشرة ، وتسابق الزمن للانتهاء من برنامجها النووي قبل قدوم ترامب للرئاسة ، وتخاف من تنفيذ التهديدات الأمريكية لها اذا ما قامت برد عسكري انتقامي ( دون ان يتم التوافق عليه) والذي قد يكلفها تدمير منشآتها النووية ومصافي وآبار البترول والغاز ، بما سيضعف قوتها ويقلص من هيبتها وسيطرتها الاقليمية علي دول المنطقة .
ولهذا رأت ايران انه من الافضل لها الدخول في تفاهمات خفية مع أطراف أمريكية لعقد صفقة يتم بمقتضاها عدم مهاجمة ايران او المساس بقيادتها ، بما يسمح لها بالاستمرار في بسط نفوذها علي جيرانها والحفاظ على هيبتها ، مع احتمالية تخفيف العقوبات عليها .. في مقابل التزامها بعدم التدخل عسكرياً وتحجيم دور حسن نصر الله الذي يعتبر عائقا أمام عودة سكان المستوطنات الإسرائيلية لمنازلهم ، ولإصراره علي ربط اي اتفاق بوقف حرب غزة ،وان عليها غض النظر عما ستقوم به اسرائيل من هجمات لقصقصه أذرع المقاومة التي تهاجمها ولتقليم اظافرها .. وهو ما توافق مع رغبات الادارة الاميركية للخروج من ورطتها قبل الانتخابات الرئاسية .
وسرعان ما تبدل الموقف الايراني من السيد حسن نصرالله وبدأت في الابتعاد تمهيداً للتخلي عنه ، ولحين ايجاد فرصة مناسبة لاستبداله بقيادة جديدة .. خصوصا بعدما زادت انتقاداته للقيادة الايرانية لعدم موافقتها على السماح له بتوجيه ضربات انتقامية لمواقع مؤلمة في تل ابيب .. وكانت البداية عندما صرح قائد الحرس الثوري وقال بأن حزب الله يستطيع بمفرده ( ودون اي معاونة ) علي الانتصار علي اسرائيل وامريكا وفرنسا …وعلي نفس المنوال خرج الرئيس الايراني ليؤكد رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة مع دول العالم ، واستعداد ايران للعودة للتفاوض حول برنامجها النووي .وهوما يعني ان ايران اخترت طريقاً آخر للرضوخ والمهادنة واستمرارها بالالتزام بسياسة الصبر والتكتيك الاستراتيجي .. وربنا يكون في عون لبنان وحزب الله بعد ان تم هزيمته ، وفقد مصداقيته ، وانحسرت شعبيته .

ويعلم الله وحده … ماذا سيحدث غداً ، وبعد غد
بعد ان تم اغتياله مثلما اغتيل الكثيرون قبله ..!!

زر الذهاب إلى الأعلى