مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : مفارقة بينوكيو وراعي الغنم.. ”الكذب مالوش رجلين“

0:00

أضحى الكذب عادة لصيقة ببعض الأشخاص، وباتت صفتهم ”الكذوب“، ولعل أشهر قصص الكذب التي تروى للأطفال هي ”بينوكيو“ و“راعي الغنم“ وعكسهما قصة ”الصياد الصادق“، الأولي ”بينوكيو“ تعد واحدة من القصص الكلاسيكية المشهورة، وتتضمن الحكاية مفارقات عديدة، الأولى أن الدمية ”بينوكيو“ الخشبية التي تتكلم وتتحرك هي الشخصية الرئيسية في القصة، وصاحب الدمية هو النجار جيبيتو، والدمية تتحدث وتتحرك وتتصرف كما لو كانت حية، ففي الحياة الحقيقية، الدمى لا تمتلك القدرة على الحركة أو الكلام، ولكن مع قصتنا الخيالية التي يعيش فيها بينوكيو،فهو يمتلك القدرة على التفاعل والتواصل مع الشخصيات الأخرى.
ولعل أهم مفارقة في القصة أن أنف بينوكيو تكبر عندما يكذب، وهي تعلمنا أو تحذرنا بمعنى أصح من مخاطر الكذب وآثاره السلبية، ولكن بينوكيو الدمية الخشبية تريد في النهاية أن تصبح صبيا حقيقيا. ويتحقق مراده في نهاية المطاف وينال ما أراد وتمنى بعد أن أدرك وتعلم أهمية الصداقة والصدق والتصرف بشكل مسئول ليصبح صبيا حقيقيا في النهاية.
يتضح من خلال أحداث قصة بينوكيو كيف يمكن أن يكون الخيال والحقيقة متشابكين في في حدث واحد، بما يدفعنا للتفكير في العلاقة بين الحقيقة والخيال رغم التضارب بينهما، ولكن قد يكون لهما أيضا تأثيرا مشتركا في شكل تعليمات وقيم نتعلم منها. وللأسف لم يدرك الكذابون أن وجوههم تتبدل وتتغير ملامحهم عندما يكذبون، ومع ذلك يبالغون في الكذب ولا يفكرون في التخلي عنه، لأنه أصبح عادة كما يتنفسون.
أما ”راعي الغنم“ فهي قصة صبي صغير يعمل راعي لقطيع من الأغنام، وكان يمضي وقتا طويلا في البراري مع القطيع، وكان يشعر بالملل، و لذا قرر أن يسخر من الناس، وصادف يوما أن قرر الصبي أن يصرخ قائلا :”الذئب! الذئب!“ بصوت عالٍ. سمع الناس صراخه وخرجوا مسرعين من بيوتهم وحقولهم لمساعدته، لكن عندما وصلوا، اكتشفوا أنها مزحة وأنه لا يوجد ذئب.
عاد الصبي إلى نفس المزحة مرة أخرى في الأيام التالية، وكان الناس يستجيبون بسرعة لكل صيحة. ولكن في يوم من الأيام، ظهر ذئب حقيقي وهاجم القطيع، وصاح الصبي بكل قوته ”الذئب! الذئب!“ ولكن لم يأت أحد لمساعدته، فتمكن الذئب من هجوم القطيع وخسر خسارة فادحة.
ليس الغنم الذي أكله الذئب هي كل خسارة الراعي الصغير، ولكنه فقد الثقة والمصداقية لدى الناس بسبب كذبه المتكرر، ولو كان يتصرف بصدق ولا يسخر منهم ربما كانوا قادرين على مساعدته في الوقت الحقيقي.
الراعي لم يتحل بالمسئولية في رعاية القطيع وحمايته من الخطر، ولكنه بدلا من ذلك قام بتضييع وقت الآخرين والاستهتار بمسئوليته، ناهيك عن تلاعبه بثقة من حوله وكذبه عليهم فخسر دعمهم في نهاية المطاف ومساعدتهم حينما احتاج لهم فعليا بشكل حقيقي.
ولكن التساؤل: هل تعلم الراعي الصبي أن الصدق والشفافية هما الطريقة الأفضل للتواصل مع الآخرين، وعدم التلاعب بمشاعر الناس والكذب عليهم ؟. لا أحد يدري، وإن الكذابين لا يتخلون عن كذبهم، وتكاد وجوههم تنطق وتقول ”إنك لكاذب“.
وعكس قصة راعي الغنم، ثمة حكاية ”الصياد الصادق“، عن صياد يعيش في قرية صغيرة بجوار بحيرة، و كان صادقا جدا ولم يكذب أبدا، واعتاد أن يحكي قصصا عن مغامراته في الصيد، وكان يصف الأسماك التي يصطادها بشكل دقيق وصادق.
وذهب في أحد الأيام لصيد الأسماك في بحيرة القرية، وعندما عاد، كان يحمل سمكة هائلة وظل الصياد يتحدث عنها ويصف جمالها وحجمها الضخم، ولكن بالرغم من حجمها الكبير، كانت ميتة. وردا على سؤال أحد القرويين كيف تمكن من صيد سمكة بهذا الحجم؟، أجاب الصياد بكل صدق: ”لقد جدتها ميتة على شاطئ البحيرة، لم أكن أنا من اصطادها“.
عند سماع هذا الرد الصادق، تعجب القرويون واعجبوا بصدق الصياد. تعلم الجميع منه درسا قيما حول أهمية الصدق وعدم التلاعب بالحقائق.
يتضح من خلال هذه القصة مدى أهمية الصدق، فالصياد الصادق لم يكذب على الناس بشأن كيفية حصوله على السمكة الكبيرة، بل أخبرهم الحقيقة بكل صدق. وهذا يعلمنا أن الصدق هو الأساس لبناء الثقة والاحترام في العلاقات وأنه يجب أن نكون صادقين في تعاملنا مع الآخرين. فالصدق “منجاة” كما يقولون، والسمعة الطيبة نعمة من المولى عز وجل على صاحبها وهي تعزز الثقة في العلاقات.
نخلص من القصص الثلاث، أن الصدق قيمة كبيرة وإذا تحلى بها أي شخص أو مسئول لعاش في نعيم هو من معه، فالصدق يولد الثقة ويدعمها، ويكون قادرا في النهاية على التغلب على التحديات واتخاذ القرارات الصحيحة. فالصدق والنزاهة هما الأساس في بناء الثقة والعلاقات الجيدة مع الآخرين، مع الانضباط والتحلي بالمسئولية، والأهم الاستماع إلى النصائح والتوجيه من الشخصيات الحكيمة ، و تقبل النصائح والاستفادة منها يساعده على اتخاذ القرارات الصحيحة وتجنب الأخطاء.
مشكلة البعض أنه لا يسمع لغيره ويعتقد أنه الوحيد في هذا الكون الذي يفهم وغيره لا يفهم مثله، وهؤلاء للأسف لا يضيعون أنفسهم فقط بل يسيئون لمن حولهم، خاصة إذا شغل بعضهم مناصب مهمة أو تولوا مسئوليات جمة.

زر الذهاب إلى الأعلى