مقالات الرأى

خالد إسماعيل يكتب: الأدب المصرى يعيش فى محنة كبرى

لست من الذين يهولون المواضيع ، ويكبرون الحكايات الصغيرة ، لكن ما أرصده وأتابعه كل يوم عبرمواقع التواصل الإجتماعى ،جعلنى أشعربالخطر،والمحنة الكبرى التى يعيشها الأدب المصرى ،وهذه المحنة تتمثل فى فقدان القيمة ،والاحتفاء بالتفاهات ، والاهتمام بالسذاجة الكتابية واعتبارها قيمة جديرة بالتقدير،أما عن فقدان القيمة ، فهو متمثل فى غياب “الراعى الرسمى “لرموز االأدب الكبار، مثل فتحى غانم ويحيى حقى وسليمان فياض وعبدالحكيم قاسم وعبدالوهاب الأسوانى ويوسف إدريس ،أما “نجيب محفوظ ” فقد حمته “نوبل ” وضمنت له الحصول على التكريم العالمى ، قبل الحصول على التكريم المحلى ،ولكن الكتاب الذين ذكرت أسماءهم ، سقطوا من حسابات “وزارة الثقافة “،وكل الجهات المعنية بدعم “الثقافة الوطنية المصرية”،وعلى سبيل المثال ،أصدرت “دارالشروق ” الأعمال الكاملة للكاتب الكبيرالراحل “عبدالحكيم قاسم”، وكان المفروض أن تطبع “هيئة الكتاب “أعمال هذا الكاتب إسوة بآخرين لايمتلكون ربع قيمته الفنية والفكرية،وكذلك الكاتب “عبدالوهاب الأسوانى “، لم يتمكن ولده الكاتب والصحفى “سامح الأسوانى “من إعادة طبع أعماله ، واضطر للبحث عن دار نشر خاصة ليستطيع إتاحة أعمال والده الراحل للقراء،أما سليمان فياض ،فقد طبعت “دار ميريت ” و”دارالهلال “أعماله ، ونفدت ، ولم يتوقف أمامها “أكاديمى ناقد “ولم يقم بتقديمها للقراء الشبان الذين وقعوا فى قبضة “أحمد مراد وأحمد خالد توفيق ونبيل توفيق ونورا توفيق “،وكل “التوفيقات ” التى لاتفرق بين الأدب المكون للثقافة الحقيقية والأدب الموجه للمراهقين بقصد التسلية وترغيبهم فى قراءة الكتب ،و”يحيى حقى ” المعلم الأول لجيل الستينيات الأدبى ، وحامى الثقافة الشعبية الوطنية ،فهو الذى أسس أول فرقة فنون شعبية بمساعدة “زكريا الحجاوى ” الشاعر والباحث المتخصص فى الأدب الشعبى ،ويحيى حقى هو رئيس تحرير مجلة “المجلة ” التى كان مقرها مدرسة للأدباء الشبان فى زمن الستينيات ، وكان يستمع تجاربهم الأدبية ويصحح لهم الأخطاء ويرشدهم للطرق السليمة ،وهو من اكتشف لنا دكتور جمال حمدان ،كان ينشر له مقالاته المتخصصة فى الجغرافيا السياسية على صفحات مجلة ” المجلة “،ورغم هذا الدور الكبير فى خدمة الثقافة لم يكتف بذلك ، بل كان ينشر المقالات على صفحات الصحف ، لأنه كان يرى نفسه معلما ، وصاحب دور تنويرى ،وهو المؤسس الحقيقى لفن القصة القصيرة فى مصر ، رغم وجود محاولات سابقة عليه من جانب كتاب رواد ،لكن يحيى حقى هو من وضع أسس وقواعد كتابة القصة القصيرة ،وجاء من بعده يوسف إدريس ، وتواصلت النهضة الإبداعية ، حتى سقط الأدب المصرى فى قبضة ” التجار” و”أنصاف المتعلمين ” و”وكلاء العولمة الثقافية الأمريكية “،وهؤلاء دعاة “كسب وربح وطمس هوية”، يريدون المال ويريدون محو الثقافة المصرية وكل ثقافة قديمة ، فالأمريكان يكرهون التاريخ ويكرهون الشعوب ذات الحضارة ،ومنذسنوات ، حلت بالأدب المصرى كارثة “المال السياسى “، وهو “مال ” يتدفق على هيئة “جوائز” تمنح للذين يكتبون الأدب “التفصيل ” ، الذى يروج لما يحقق أهداف “مانح الجائزة “، وهو بهذا المعنى ” مال سياسى ” يتخذ من الأدب طريقا لتحقيق أهداف ومصالح سياسية ،هذه هى بعض جوانب  “المحنة ” التى يعيشها ” الأدب المصرى ” الذى يسعى “التجار والسماسرة ” للقضاء على دوره المعنوى فى الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية للشعب المصرى ،واستبداله بأدب “التفاهة “الذى لا يضيف للوجدان ولا يحفظ عقل الإنسان ، بل يسلبه “المعنى ” ويجعله مجرد”مستهلك “لايراكم الوعى ولا يمتلك القدرة على الفرز والتحليل والفهم ،وفى النهاية أقول إن “الأكاديميين “يساهمون فى هذه المحنة وغالبيتهم تتآمرعلى الأدب الحقيقى ، وغالبيتهم تحولت للبحث عن “السبوبة واللقمة الطرية “، وتركت المهمة الأصلية  وهى فرز المطروح ودعم الأدب الحقيقى الذى يحفظ عقل ووجدان ومنظومة قيم القارىء،ورغم سواد الصورة وكآبة المشهد الأدبى الراهن ، هناك مبدعون ونقاد“عددهم قليل وإمكاناتهم محدودة”يقاومون هذه المؤامرة ويحاربون من أجل الدفاع عن الأدب الحقيقى وحماية الثقافية الوطنية المصرية بكل صدق وإيمان وإخلاص للناس والإبداع والوطن .

زر الذهاب إلى الأعلى