محمد مستجاب والجلباب والهوية المصرية بقلم: أنس الوجود رضوان

عمّ رشاد صاحب الصورة التي ظهر فيها متجولاً مع زوجته في المتحف المصري الكبير بالجلباب الصعيدي، ذكرني بالكاتب المبدع محمد مستجاب.
لم يكن الجلباب بالنسبة له مجرد قطعة قماش يرتديها، بل كان رمزاً للهوية، وبياناً صريحاً بإنتمائه إلى الأرض والصعيد والجذور الأولى.
كان مستجاب، بملامحه الصعيدية ولهجته التي لم يغادرها رغم شهرة المدن وضوء العاصمة، يؤمن أن الإنسان لا يكتمل إلا إذا حمل معه جزءاً من أصله أينما ذهب
فالجلباب عنده ليس زياً، بل هوية ووطن.
في إحدى المناسبات الثقافية الكبرى بمحافظة الإسماعيلية، حضر مستجاب ضمن وفد من الكتّاب والصحفيين والإعلاميين للمشاركة في مهرجان فني، مرتدياً جلبابه الصعيدي كما إعتاد في كل مؤتمراته.
غير أن الموقف أتخذ منحى غير متوقّع، حين رفض أحد منظّمي الحفل السماح له بالدخول إلى مسرح قصر الثقافة، بحجة أن المهرجان رسمي، ويحضر فيه الوزير والمحافظ، ولا يليق في رأيه أن يدخل أحد بزي الجلباب
ثار مستجاب وأستاء من الموقف، وأرتفع صوته مدافعاً عن حقّه في أن يكون كما هو.
تدخلت أنا والإعلامية هدى العجيمي وشرحنا للموظف أن الجلباب هو زيه الدائم المعروف، وأن مستجاب أحد رموز الأدب المصري، لكن الموظف ظلّ متشبثاً برأيه
حتى وصل الخبر إلى الوزير فاروق حسني، الذي تدخّل بنفسه وأعتذر لمستجاب، مؤكّداً أن القيمة الحقيقية للإنسان في فكره وإبداعه، لا في مظهره الخارجي.
وفي إحدى جلسات مؤتمر الأقاليم، تحدث مستجاب عن الجلباب بإعتباره زيّاً رسمياً للمصري الصعيدي، ورمزاً للموروث الشعبي الذي لا يجوز التخلي عنه، مؤكّداً أن الحفاظ على العادات واللهجة واللباس جزء من حماية الهوية الثقافية
ظلّ مستجاب، رحمه الله، يرتدي جلبابه حتى آخر أيامه، وكأنما أراد أن يثبت بالفعل لا بالكلام، أن الإنتماء لا يُعلق على المشجب حين نغادر القرية إلى المدينة، بل نحمله في القلب والثوب والكلمة
وحين شاهدت مؤخراً صورةً لمصري بسيط يرتدي جلابيته البلدية، ترافقه زوجته وهما يتجولان في أروقة المتحف المصري الكبير، عادت إلى ذاكرتي صورة محمد مستجاب بجلبابه الصعيدي وهيبته الهادئة
تأملت الرجل والمرأة وهما يقفان أمام تماثيل الأجداد الفراعنة، وشعرت كأن الزمن يدور في دائرة واحدة؛ فذلك المصري البسيط هو الإمتداد الطبيعي لأولئك البنّائين العظام، بملامحه السمراء وثوبه الأبيض ووقاره الفطري
تذكرت مستجاب وهو يقول إن الجلباب ليس زياً قديماً، بل لغة إنتماء، تذكر المصري بأصله حين تبهته أضواء المدينة.
هكذا أدركت أن ما دافع عنه مستجاب لم يكن مجرد قطعة قماش، بل روح مصر الحقيقية التي لا تتبدل، مهما تغير الزمان والمكان.
رحل محمد مستجاب، وبقي جلبابه شاهداً على زمنٍ كان فيه الكاتب يرى في نفسه امتداداً لجذوره، لا قطيعة معها.
وبقيت الجلابية المصرية عنواناً للبساطة والكرامة والاعتزاز بالأصل، ورمزاً لهويةٍ لا تعرف الزوال.










