مقالات الرأى

“لونها بالفرحة”.. سهير عبد القادر وصناعة الحلم بقلم :أنس الوجود رضوان

0:00

في الساحة الخارجية لدار الأوبرا المصرية، كان المشهد أشبه بلوحة عالمية مرسومة بألوان الفرح. فرق فنية من قارات مختلفة، موسيقى وأغنيات ورقصات شعبية من ثقافات متعددة، وجمهور جاء من كل مكان ليشارك في لحظة إنسانية استثنائية. لكن وسط كل هذا الزخم، كانت العيون تتجه دائماً إلى أصحاب الهمم، الذين أصبحوا نجوم الحفل الحقيقيين، يضيئون القلوب بإبتسامتهم الصافية وإبداعهم الفطري

هذه هي أجواء الدورة التاسعة من الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة “أولادنا”، المدمج هذا العام مع مهرجان الفنون والفلكلور الأفروصيني، والذي جاء تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الداعم الأكبر لقضايا ذوي القدرات الخاصة والمتحدين للإعاقة. و افتتح الملتقى بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، في حضور وزراء وشخصيات عامة وسفراء وضيوف من مختلف أنحاء العالم، ليؤكد أن مصر قادرة على أن تكون منصة للإحتفاء بالإختلاف والجمال معاً
وقالت السيدة انتصار السيسي، حرم فخامة رئيس الجمهورية خلال كلمتها التى أذيعت فى الإفتتاح
أن الدورة التاسعة من الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة -أولادنا، هذا الحدث الفريد الذي أصبح على مدار سنواته التسع منصة مضيئة تُعلي قيم الإنسانية، وتدعم مبادئ المساواة، وتُعبر عن إيمان مصر العميق بحقوق أبنائها من ذوي القدرات الخاصة. إننا اليوم، ونحن نفتتح هذه الدورة تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، نؤكد أن هذا الملتقى جاء ليجسد أن الفن والثقافة رسالة إنسانية حيّة، وجسر يربط بين القلوب والعقول، وقوة قادرة على تغيير نظرة المجتمعات، وترسيخ قيم التسامح وقبول الاختلاف، ومن هنا ينطلق إبداع أطفالنا ليحمل إلى العالم رسالة واضحة: إننا نمتلك الإرادة والقدرة الكاملة على المشاركة في صناعة مستقبل أكثر إشراقاً

وأضافت: “إننا نؤمن بأن الإستثمار في الإنسان هو الإستثمار الحقيقي، وأن بناء الشخصية المصرية يتطلب فتح المجال أمام جميع أبنائنا ليعبروا عن أنفسهم، ويكشفوا عن مواهبهم، ويكونوا جزءًا أصيلًا من مسيرة التقدم. ومن هنا فإن هذا الملتقى ليس مجرد احتفالية فنية، وإنما هو خطوة على طريق طويل نحو مجتمع أكثر وعياً، وأكثر إصراراً وقبولاً للتنوع. وختاماً، أود أن أؤكد أن مصر ستظل دائمًا تفتح ذراعيها لأولادها من ذوي القدرات الخاصة، وتمنحهم الدعم والتمكين، وتحتفي بمواهبهم وإبداعاتهم، فهم قلب المجتمع، وبهم ومعهم نصنع وطنًا أكثر إنصافاً وأكثر إشراقاً وإنسانية. وفقنا الله جميعا لما فيه الخير لمصرنا الغالية.

ولأن الإحتفال بالفرحة لا يكتمل إلا بالفن، فقد خطفت الأنظار الفنانة صفاء أبو السعود التي تألقت بظهور استعراضي مبهر في حفل الإفتتاح. حضورها كان بمثابة مفاجأة جميلة للجمهور، فهي صاحبة رصيد فني راسخ ارتبط في وجدان المصريين بالبهجة وأجواء الإحتفالات وبمشاركتها، أكدت أن الفن الحقيقي لا يشيخ ولا يفقد بريقه، وأن أسمى أدواره أن يرسم البسمة على وجوه أصحاب الهمم ويمنحهم لحظة صافية من السعادة.

وأن وراء هذا الحلم الذي صار واقعًا، تقف شخصية استثنائية هي سهير عبد القادر. بجهدها وإصرارها وحبها العميق للإنسان، استطاعت أن تجعل من “أولادنا” حدثاً دولياً ينتظره العالم كل عام. لم تكن مجرد منظمة أو مديرة لمهرجان، بل كانت “الأم” التي تحلم وتخطط وتقاتل كي ترى أبناءها أصحاب الهمم في صدارة المشهد، لا في الهامش.

منذ اللحظة الأولى، آمنت سهير عبد القادر أن الفن هو اللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى ترجمة، وأن الابتسامة الصافية أقوى من آلاف الكلمات. لهذا، عملت بلا كلل لتجمع الفرق من مختلف الدول، ولتخلق مساحة حقيقية يلتقي فيها الجميع على أرضية واحدة: أرض الفن والمحبة. كانت تؤمن أن هؤلاء الشباب والأطفال قادرون على الإبهار، ليس فقط في العروض، بل في طاقة الحياة التي يملكونها، تلك التي تجعلنا نعيد النظر في مفهوم القوة والإرادة.

في تلك الليلة المضيئة، لم يكن شعار الملتقى “لونها بالفرحة” مجرد كلمات دعائية، بل حقيقة تجسدت في الأجواء، في الرقصات الممزوجة بضحكات الأطفال، في الدموع التي سالت من عيون الأمهات، وفي الحفاوة التي غمرت القلوب. لقد تحول الملتقى إلى مساحة مفتوحة للتسامح والبهجة، ليقول للعالم إن مصر قادرة على أن تُصدّر الفرح، وأن تجعل من الفن رسالة أمل تعبر الحدود.

جهود سهير عبد القادر ليست مجرد تنظيم حدث ناجح، بل هي صناعة حلم ممتد، رحلة إنسانية تعكس إيمانها العميق بأن أصحاب الهمم يستحقون مكانهم الطبيعي في قلب المجتمع، وأن الفن قادر على أن يكون جسرًا يوصلهم إلى قلوب الناس. هي لم تكتفِ بتقديم مهرجان، بل قدمت رسالة إنسانية صادقة: أن الفرح حق للجميع، وأن الجمال لا يكتمل إلا حين يشارك فيه كل البشر.

وهكذا، يظل الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة “أولادنا” أكثر من مجرد حدث فني؛ إنه شهادة على قدرة إنسانة واحدة، بإيمانها الصادق وجهودها الدؤوبة، أن تصنع فرقًا حقيقياً وأن تترك أثرًا خالداً في ذاكرة الفن والإنسانية معاً
تحية إعزار لفريق العمل وجميع الجهات الداعمة للملتقى وإخراجه بشكل يليق بإسم مصر .

زر الذهاب إلى الأعلى