عبد المعطى أحمد يكتب: لغز الحنجرة الذهبية!
![عبد المعطي آحمد](https://misralan.net/wp-content/uploads/2023/02/16E60E8B-3E53-4610-939F-D2E44A41B7DF-658x470.jpeg)
مع حلول ذكرى وفاتها فى 3فبراير 1975, تتجدد الذكريات مع كوكب الشرق , ولكن هل تعلم -عزيزى القارىء- أنه تم تأسيس جمعية بإسم أم كلثوم كنشاط طلابى بإحدى الكليات العملية المصرية؟
بين أيدينا اليوم كتاب للدكتور فكرى صالح أستاذ الهندسة الطبية بكندا الذى أسس جمعية أم كلثوم كنشاط طلابى عندما كان طالبا بالكلية بجامعة عين شمس بالستينيات, حيث كان يجرى سلسلة من الحوارات مع سيدة الغناء العربى فى منزلها الكائن فى 5 شارع أبو الفدا بالزمالك, ثم ينشر الحوارات فى حلقات متتالية بمجلة الحائط بالكلية فى الفترة من عام 1963 وحتى 1969, جمعية أم كلثوم كانت نشطة جدا فى تلك الفترة, وانضم إليها الشاعر الكبير أحمد رامى, والدكتورة نعمات أحمد فؤاد, وغيرهما.
وبعد كل تلك السنوات جمع فكرى صالح حواراته وأحاديثه النادرة مع كوكب الشرق فى كتابه”أم كلثوم وأنا 5شارع أبو الفدا” الصادر عن دار الهالة للنشروالتوزيع, فى البداية يحلل محاولة فك شفرة لغز حنجرتها الذهبية ويكشف عن أن عدة دراسات تمت فى كلية الهندسة بجامعة عين شمس حللت صوت أم كلثوم فتبين أن عدد ذبذبات صوتها كما سجلته أجهزة القياس يصل إلى 16 ألف ذبذبة فى الثانية, بينما توصلت الدراسات التى أجريت بجامعات كند وأوروبية إلى عدم وجود أى مطربة وصل صوتها لهذا الرقم حتى أشهر مغنية أوبرا عالمية ماريا كالاس كان صوتها يصل إلى 16 ألف ذبذبة ولفترة قليلة, تلك الحنجرة الذهبية بإمكاناتها المتفردة دفعت الباحثين بمستشفى البحرية الأمريكية التى كانت تعالج فيها لمحاولة إبرام عقد معها لمنحهم حق أخذ حنجرتها للبحث والتحليل بعد وفاتها فى مقابل 100 مليون دولار عام 1948 تقريبا , وبالطبع رفضت أم كلثوم ذلك العرض.
وعن طقوس حفلة “الست” يستعيد المؤلف الذكريات, ويرصد حرص الجمهور على التأنق لحضور الحفل, فالرجال يرتدون البدل القيمة, والسيدات يرتدين أحدث الموضات العالمية, كان الاستثناء فى هذا المشهد دائما الجبة والقفطان التى يرتديها العمدة سعيد الطحان أو “السميع الأول” كما كان يلقب, ثم يأخذنا الكاتب إلى تفاصيل تلك العلاقة الفنية والإنسانية الفريدة التى جمعت بين أشهر ثنائى فنى تألق معا لينتج فنا خالدا, أم كلثوم والشاعرأحمد رامى الذى كتب لها نحو 150 أغنية مازالت خالدة حتى الآن, موضحة أن أثمن هدية قدمها لها رامى كصديق عمرها هى وقته, مضيفة :” أثمن هدية يهديها صديق لصديقه هى جزء من وقته”.
ويحكى لنا أيضا عن ماكانت تتمتع به أم كلثوم من خفة دم وسرعة بديهة, منها ماكان مع واحد من جمهورها صاح متحمسا فيها بعد خروجها من إحدى حفلاتها قائلا:”إنت جاموس الفن”, وعندما اندهش الحاضرون بشدة ردت أم كلثوم بسرعة بديهة:” وفين العجول اللى تفهم” لتوضح فيما بعد كيف أن فى لهجة الصعيد يستبدلون حرف القاف بحرف الحيم, فهو عندما قال “جاموس” كان يقصد “قاموس”, وعندما قالت هى”العجول” كانت تقصد” العقول”, وغيره الكثير من الردود الطريفة للست, والتى تمنع نفسك من الابتسام والضحك لخفة دمها.
وبين الذكريات والأحاديث النادرة وحوارات المؤلف مع أم كلثوم تتكشف جوانب إنسانية وفنية مختلفة عن سيدة الغناء العربى, فمثلا عندما سألها عما إذا كانت تشعر بالوحدة أحيانا أخبرته أنها كثيرا ماتشعر بالوحدة والحنين إلى أعزاء تفتقدهم أووالديها اللذين توفاهما الله, كما شعرت بالوحدة أحيانا أثناء الغناء أمام الجمهور, وأكثر أغنية كانت تشعر بالوحدة وهى تغنيها كانت “سهران لوحدى”, وأن السعادة بالنسبة لها إحساس إحساس غير دائم, لأن الإنسان يسعد عندما يتحقق مايتمناه, ثم يتمنى شيئا آخر.
وردا على سؤال شخصى طرحه عليها تجيب:” نعم كنت أحب أن يكون لى ولد أو بنت أو الاثنين”, لكن الظروف لم تسمح, وليس كل مايتمناه الإنسان يتحقق, والإنسان لابد أن يرضى بقضاء الله سبحانه وتعالى, ومتنساش إن كل أغنية أغنيها بتكون زى طفلة بالنسبة لى أراعيها وأحاول أربيها فى ذهنى حتى تكبر وتحلو فى أذن ونظر جمهورى الذى أقدره وأحترمه بقدر حبه لى وزيادة”.
بلاشك ستظل “ثومة” هى “الحب كله”, فقد “حكم علينا الهوى”, ودائما سيظل” القلب يعشق كل جميل”, ورغم أن ” للصبر حدود” ف” الحب تفضحه العيون” لتحكى “سيرة الحب” التى لن تنتهى , ولن تمحى من ديوان الفن الجميل مهما “طالت ليالى البعاد”أو “دارت الأيام”.
يحسب لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فى ألحانه العاطفية الثمانية لسيدة الغناء أم كلثوم( لأن له لحنين وطنيين آخرين معها), وفى الفترة من فبراير عام 1964 إلى ديسمبر عام 1972 أنه وظف خمس مقامات موسيسقية دفعة واحدة ربما لإحساسه بأن الأعوام المقبلة لن تسمح بلقاءات متعددة بينهما, فقد بدأ تعاونهما متأخرا, فنوع بها فى أساليب تلك الألحان واستطاع أن يلبس كل مقام لحن أغنية أو أكثر منها , وبذلك ينطبق فيه القول المأثور: لكل مقام مقال , ولكن بعد تحوير, وليصبح لكل مقام أغنية, وهى: الكورد(لثلاثة ألحان:أنت عمرى , وأمل حياتى, وهذه ليلتى), النهاوند(للحنين:أنت عمرى , وأمل حياتى, وهذه ليلتى) الراست(للحن واحد: فكرونى), الهزام (للحن واحد:ودارت الأيام), العجم(للحن واحد: أغدا ألقاك), وهذا هو الجديد فى تعاونه مع ام كلثوم, وفى ذكرى رحيلها التى مرت فى 3فبراير وذكرى ميلاده والت تحل فى 13 مارس المقبل.