مختار محمود يكتب: لماذا يكرهون عُمَر بن الخطاب؟!
لا يكره خصومُ الإسلام أحدًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهيتهم عُمرَ بن الخطاب، الذي حلَّتْ ذكرى استشهاده في النصف الأول من الشهر الجاري. عاش أمير المؤمنين بين عامي 584 -644 ميلاديًا. تزامنًا مع ذكراه..تصدى أحدُ المنافقين مؤخرًا لتكذيب الرواية التاريخية المنسوبة إلى أحد قادة الفرس عندما قال لـ”ابن الخطاب” بعد تفوُّق جيش المسلمين عليهم: “حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمرُ”. ساءه أن تحتفي كتبُ السيرة والمراجع التاريخية بمثل هذه الرواية الدالة والكاشفة والمُنصفة لـ”الفاروق”، ولأيٍّ من أصحاب النبي الكريم.
بضاعة خصوم الإسلام من الداخل تقوم -في الأساس- على تشويه المسلمين الأوائل والطعن قي الصحابة الأكارم وتجريحهم وتشويه صورتهم أمام النشء الجديد. الهدف معلوم والغرض مكشوف. بارت البضاعة وخسر البيع. شعارُهم: “لا تتركوا قدوة حسنة دون إهالة التراب عليها، لا تدعوا رمزًا طاهرًا دون تشويه”. سواء صحَّتْ هذه الرواية التاريخية المُعتبرة، أو لم تصح، فإنَّ ابن “الخطاب” كان ولا يزال مَضرب المثل في “الحاكم العادل” و”المسلم صحيح الإسلام” و”المؤمن صادق الإيمان”.
امتلك “عُمَرُ” سماتٍ شخصيّةً أهلّته لأن يكون من الرِّجال الذين كان لهم دور في رسم خطوط التاريخ. كان “ابن الخطاب” صاحب إرادةٍ، وذا شخصيّةٍ قويةٍ وهَيبةٌ بين الناس. كان لديه من العلم ورجاحة العقل وحُسْن التصرّف ما جعله في الجاهليّة سفيرًا لقريش. كان “عُمَرُ” في زمانه من القلائل الذين يعرفون القراءة والكتابة. عُرفتْ عنه الجديّة، وقلّة الضحك وجَهوريّة الصوت، تميّز بالمسؤولية والفراسة والعَدل. جاء إسلامُ “ابن الخطاب” في السنة الخامسة من البعثة عِزّةً ونَصرًا للدِّين، وتحقيقًا لدعاء النبي الكريم: “اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك: أبي الحكم بن هشام، وعمر بن الخطاب”.
قاد “عُمَرُ” الدولة الإسلامية عشر سنواتٍ، كانت مليئةً بالرّحمة والعَدْل والفتوحات والانتصارات التي تزعج كارهي الإسلام بالسليقة ومَن يحذون حذوهم. كان “ابن الخطاب” أبرز رجالات الدولة الإسلامية في سنواتها الأولي. كان القدوة الحَسنة في الشجاعة والإقدام في زمن النبي الكريم، وعندما صار خليفة للمسلمين..غدا مضرب المثل في العدل والتواضع والزهد.
لم تتحقق الدولة الإسلامية بصورتها المُثلى في عهد أيٍّ من عهود الخلفاء والحكام مثلما تحققت في عهد “ابن الخطاب”. جمع خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين: النزاهة والحزم والرحمة والعدل والهيبة والتواضع والشدة والزهد، كما نجح خلال فترة خلافته -التي دامت عقدًا من الزمان- في تأسيس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، وهذا ما يُوغر صدور قوم منافقين!
“ابن الخطاب”..هو مَن أوصانا نبيُّنا الكريم بالاقتداء به فقال: “إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم, فاقتدوا باللَذَين مِن بعدي”..قاصدًا: “الصدِّيقَ” و”ابنَ الخطاب” رضي الله عنهما. هو مَن قال عنه أبو بكر الصديق وقت احتضاره: “اللهم إني استخلفتُ عليهم خيرَ أهلك”. “الفاروق” هو الذي خطب في الأمة عندما أصبح أميرًا للمؤمنين قائلاً: “اللهم إني شديدٌ فليِّني, وإني ضعيفٌ فقوِّني, وإني بخيلٌ فاجعلني سخيًا”. أميرُ المؤمنين هو مَن رسخ مفاهيم: الشورى والعدل والمساواة والحريات الدينية والأمنية والسَّكنية والمِلكية وغيرها، هو من اقتصَّ من ابن والي مصر عمرو بن العاص لمصريٍّ ضربه, وهو يردد قولته المشهورة في غضب: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا؟” التي صارت -فيما بعد- قانونًا ودستورًا وقولاً مأثورًا. “ابن الخطاب” هو مَن قال في خُطبة تاريخية مشهودة: “أيها الناسُ.. مَن رأى منكم مني اعوجاجًا فليقوِّمه”, فقام له رجل وقال: “واللهِ, لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمناه بسيوفنا”, فقال عمر: “الحمدُ لله الذي جعل في هذه الأمة مَن يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه”، وهو القائل: “أحبُّ الناسِ إليَّ مَن رفع إليَّ عيوبي”، وهو القائل: “إني أخاف أن أخطئ فلا يردُّني أحدٌ منكم تهيبًا مني”.
ضرب “ابن الخطاب” المثل في الزهد، حيث خاطب بطنه في عام الرمادة وهي تقرقر من الجوع: “قرقر ما شئت, فواللهِ لا تأكل السمن حتى يأكله الناس”. أمير المؤمنين عندما قُدّم له طعامٌ يختلف عن طعام جنوده قال: “بخ بخ, بئس الوالي أنا إنْ أكلتُ طيبها, وأطعمتُ الناس كراديسها, ارفع هذه الجفنة, هاتِ غيرَ هذا الطعام”.
“عُمَر”..هو مَن طبَّق مبدأ المساواة المطلقة؛ فلم يكن يفرق بين فاتح ولا بطل ولا سابق في الإسلام ولا متأخر, فالكل عندَه وأمامَه سواء. “ابن الخطاب” هو صاحب الموقف المشهود مع اليهودي المُسن الذي كان يسأل الناس؛ حتى يدفع الجزية، عندما قال غاضبًا: “واللهِ ما أنصفناه إنْ أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم”، وهو مَن خاطب نفسه زاجرًا: “يا ابن الخطاب كنتَ وضيعًا فرفعك الله, وكنتَ ضالاً فهداك الله, وكنتَ ذليلاً فأعزَّك الله, ما تقول لربك غدًا إذا أتيتَه”؟
لقد أتعب “ابن الخطاب” كلَّ مَن جاء بعده، وحقَّ فيه قولُ القائل: ونطقتَ بالآياتِ قبل نزولِها/ فبعثت في الأرض ملائكة البشر/ وكفاك قولُ المصطفى لو حلَّ بالدنيا عذابٌ ما نجا إلا عُمَر/ وكفاك أنك ما رأى الشيطانُ أنك قادمٌ من مفرق إلا وفرَّ/ وكفاك أنك فاتح القــدس براحتيك وكنت أول من ظفر. هذا هو أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب الذي يكرهه الحاقدون والمنافقون والمرجفون في المدينة، ويُهيلون على سيرته التراب؛ حسدًا من عند أنفسهم، وغِلاً مستوطنًا في صدورهم الآسنة الآثمة..